عند الله ـ تعالى ـ ومجرّد الاختيار المذكور مع تخيّل ما تخيله من النفع أو الضرّ باختياره بعد حصول التمكّن والتملّك له بتمكين الله ـ تعالى ـ وتمليكه ايّاه. فلا جبر لتمكّنه وتملّكه ولا تفويض لتمكّنه وتمليكه.
وإلى ما ذكر نظر من قال : انّ الاسباب البعيدة كلّها من الله والقريبة من العبد ، كما اختاره المحقق الطوسى في شرح رسالة العلم حيث قال : الّذي ينظر إلى الاسباب الأوّل ويعلم أنّها ليست بقدرة الفاعل ولا بإرادته يحكم بالجبر ، وهو غير صحيح مطلقا ؛ لأنّ السبب القريب للفعل هو قدرته وارادته. والّذي ينظر إلى السبب القريب يحكم بالاختيار والتفويض ، وهو أيضا غير صحيح ؛ لأنّ الفعل لم يحصل باسباب كلّها مقدورة ومرادة له. فالحقّ ما قال بعضهم : لا جبر ولا تفويض ولكنّه أمر بين أمرين (١).
وإلى هذا يشير أكثر الظواهر الواردة من الشريعة ؛ ففي نهج البلاغة قال ـ عليهالسلام ـ بعد ما سئل عن معنى « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله » : انّا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك إلاّ ما ملّكنا ، فمتى ما ملكنا هو ما املك به منّا نهضنا ومتى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا (٢). فمراده ـ عليهالسلام ـ : انّ حصر الحول والقوّة فيه ـ تعالى ـ باعتبار أصل التمكين والتمليك ، وإلاّ فللعبد حول وقوّة بحوله وقوّته واقداره وتمكّنه ؛ فلا جبر لتملّكه ولا تفويض لتمليكه وقدرته على ما اخذ ما ملكه لكونه أملك به منه.
وفي بعض الأدعية المعصومية : اللهم أنت كلّفتني من نفسي ما أنت املك به منّي وقدرتك عليه وعلى الاغلب من قدرتي (٣).
وفي الصحيفة السجادية : اللهم ومن الضعف خلقتنا وعلى الوهن نشأتنا ومن ماء مهين ابتدأتنا ، فلا حول لنا إلاّ بقوّتك ولا قوّة لنا إلاّ بقوّتك (٤) ؛
ويظهر منه معنى قوله ـ تعالى ـ : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤٥.
(٢) راجع : نهج البلاغة ، الحكمة ٤٠٤ ، ص ٥٤٧ ، مع اختلافات يسيرة.
(٣) راجع : بحار الانوار ، ج ٩٨ ، ص ٥٠.
(٤) راجع : الصحيفة السجادية ، الدعاء التاسع ، الفقرة ٥ ، ص ٨٧ ، مع اختلافات يسيرة.