الأوّل ـ أعني : صدور الفعل بالعلم والمشية ـ. فلو تمّت تلك الشبهة لدلّت على نفى القدرة بمعنى صحّة الفعل والترك بالنظر إلى الذات وبالمعنى الثالث الملزوم لحدوث العالم ؛ ودلّت على نفي قدرة العباد أيضا.
وإذ علمت ذلك فنقول : ما ذكر في الشبهة من أنّ العدم ازلي والأزلى لا يكون اثرا للقادر ، يرد عليه : إن (١) كان المراد انّ الأزلي لا يكون اثرا للقادر بالقدرة المتنازع فيها الملزومة لحدوث الفعل ـ أي : ما به يصحّ انفكاك الفاعل من كلّ من الفعل والترك ، ويكون مناطه ما هو المشهور بين المتكلّمين من أنّ أثر القدرة يجب أن يكون حادثا ـ ، ففيه : أمّا أوّلا : انّه على فرض تماميته لا ينفي القدرة بالمعنى الثاني ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ، فيكون الزاميا على المتكلّم ولا تكون واردا على الحكيم ، مع أنّ المراد من الشبهة أعمّ ؛
وأمّا ثانيا : انّ ذلك ـ أي : الانفكاك ـ انّما يتمّ في جانب الوجود ، إذ الوجود الازلي يمتنع رفعه ، فلو كان موجودا أزليا امتنع انفكاك الفاعل عنه ، وهو ينافي القدرة بهذا المعنى. وأمّا العدم الأزلي فيمكن رفعه قطعا ، فلو كان العدم ازليا لم يمتنع انفكاك الفاعل عنه ، فلا ينافي القدرة بهذا المعنى. وما قيل : ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، انّما هو في الموجودات دون الأعدام ، وهو ظاهر.
وإن كان المراد انّ الأزلى لا يكون اثرا للقادر بالقدرة بكلا المعنيين ، ففيه منع ظاهر ، لامكان أن يكون أثر القادر بالقدرة بالمعنى الثاني ـ أي : صحّة الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ أزليا ، فانّ الضرورة قاضية بجواز ثبوت امكان الترك في الأزل بالنظر إلى الذات مع وجوب الفعل فيه بالنظر إلى الداعي أو بالعكس. ولذا ذهب الفلاسفة إلى ازلية العالم مع قولهم بالقدرة بهذا المعنى ـ على ما نسب إليهم في المشهور ـ ، ولم يقم دليل اصلا على امتناع كون أثر القدرة بهذا المعنى قديما.
فان قيل : أثر القادر المختار مسبوق بالقصد والإرادة ، فلا يكون أزليا ؛ فالعدم الأزلي لمّا لم يكن مسبوقا / ٨٩MA / بالارادة والمشية فلا يكون اثرا للقادر ؛
__________________
(١) الاصل : انه.