المعنى هو وجوب الفعل واستحالة الترك ـ أي : امتناع انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في الجملة ـ
فالمقابل للقدرة عند الأشاعرة هو امتناع الانفكاك ولو في وقت الايجاد ووجود الداعى ، والمقابل للقدرة عند المعتزلة هو امتناع الانفكاك في الأزل لا عند وجود الداعي ـ أعني : وقت الايجاد ـ.
ثمّ القدرة بهذا المعنى تفرّد باثباتها المتكلّمون ؛ ونفاها الحكماء ، وقالوا بالايجاب المقابل لها (١). وعلى هذا ثبت النزاع بين الحكماء والمتكلّمين في مقامين : الأوّل ما وقع بين الحكماء والأشاعرة من المتكلّمين ، وهو : انّ الحكماء ذهبوا إلى أنّ معنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره هو مجرّد الامكان الذاتي ـ أي : امكان صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذات الفاعل من حيث هي هي ـ. وليس معنى الصحّة بمعنى الامكان الوقوعي المستلزم لوقوع الانفكاك بين الواجب وبين الفعل حتّى يمكن وقوع الصدور ، واللاصدور ، لأنّهم يوجبون صدور الفعل مع الإرادة ، والإرادة عندهم عين الذات ، فلا يتخلّف الفعل عنه ـ تعالى ـ.
فان قيل : الإرادة وغيرها من الصفات الكمالية إن كانت عندهم عين الذات لكان اعتبار ذاته ـ تعالى ـ عندهم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، وكذا عدم اعتبار ذاته هو بعينه عدم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، فلا يمكن تصوّر الانفكاك بينهما وجودا وعدما وإلاّ يلزم (٢) الانفكاك بين الشيء ونفسه ، وهو يستلزم عدم امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات أيضا عند الحكماء ؛
قلت : هذه شبهة نتعرّض لها بعد ذلك ونبحث عنها. فهم ـ أي : الحكماء ـ يجعلون مقدّم الشرطية الأولى في التفسير الثاني واقعا ، بل واجبا ، ومقدّم الشرطية الثانية فيه غير واقع ، بل ممتنعا ؛ ويقولون : لكنّه شاء وفعل. والأشاعرة يقولون : معنى الصحّة هو الامكان الوقوعى الموجب لانفكاك الفعل عنه ـ تعالى ـ في أيّ وقت فرض ولو في
__________________
(١) راجع : الدرّة الفاخرة ، ص ٢٦.
(٢) الاصل : لزم.