خير غلب على شرّه ، فمن حيث تخلّل الواسطة لا يلزم عدم المناسبة بين العلّة والمعلول ، ومن حيث غلبة خيره على شرّه لا يلزم وقوع غير الأصلح في النظام الأصلح ، لأنّه لا ريب في اصلحية ما يغلب خيره على شرّه.
ثمّ أصلحيه وجود هذا الشيء الّذي يغلب خيره على شرّه يتصوّر بوجهين :
أحدهما : أن يكون أصلحيته لأجل غلبة المنافع المترتّبة على وجوده بالنسبة إلى المضارّ المترتبة عليه مع كون تلك المضارّ مضارّا وشرّا بالنسبة إلى الأشخاص الّذي أصابهم هذا الشرّ وبالنسبة إلى النظام الكلّ أيضا ، إلاّ أنّا إذا قايسنا بين منافعه وبين مضارّه كان منافعه أكثر ، فمع اكثرية المنافع يتحقّق الأصلحية وإن اشتمل على المضارّ القليلة بالنسبة إلى النظام وبعض الافراد ؛
وثانيهما : أن يكون أصلحيته لأجل تلك المنافع العالية مع كون مضارّه الجزئية وشرّه القليل خيرا وصلاحا بالنسبة إلى نظام الكلّ وان كان شرّا ومفسدة بالنسبة إلى بعض الاشخاص ، مثلا علّة حدوث الطاعون في بعض البلاد حدوث رطوبة كثيرة وحرارة قليلة في الهواء يصير منشئا لعفونته وسمّيته ، وعلّة هذا الحدوث اسباب سماوية وأرضية ؛ ولا ريب انّ تلك الأسباب ـ بل نفس هذا الحدوث ـ يشتمل على خيرات كثيرة ضرورية في نظام الكلّ وتلك الخيرات غالبة على الشرّ المترتّب على هذا الحدوث من موت جمع من الحيوانات ، فهذا الموت يمكن أن يكون شرّا بالنسبة إلى الاشخاص الفانية وبالنسبة إلى نظام الكلّ أيضا ، إلاّ انّ هذا الحدوث لاشتماله على الخيرات الكثيرة الغالبة على فناء هذه الأشخاص يكون أصلح من عدمه في نظام الكلّ. ويمكن أن يكون هذا الموت والفناء خيرا وصلاحا بالنظر إلى النظام الأعلى وإن كان شرّا ومفسدة بالنسبة إلى هذه الأشخاص ؛ ولذا قال الحكماء : انّ الطاعون تنقية للعالم وحدوثه سبب لصلاح العالم. وقد ظهر ممّا ذكر انّه ما لم يتمسّك في هذا الوجه باستناد الشرّ القليل إلى الواسطة لم يتمّ ، بل مع ذلك ينبغي أن يقيّد أيضا بما ذكر في الوجه الأوّل من أنّ وقوعه في القضاء الإلهي بالعرض لا بالذات ، إذ لو كان هذا الشرّ القليل الواقع في النظام الأصلح ولو بالصدور عن الواسطة مقصودا له ـ تعالى ـ بالذات