اخترناه ـ لا معنى لوجود وقت قبل آن الحدوث وامكان وجود العالم قبل ذلك ، بل ذلك انّما هو ممكن على القول بالحدوث الزماني.
ثمّ الحقّ انّ مختار المحقّق الطوسي في مرجّح آن الحدوث هو ما اخترناه ، وليس المرجّح عنده مجرّد العلم بالأصلح ـ على ما نسب إليه في المشهور ـ. كيف وهو لم يتعرّض في التجريد للعلم بالاصلح مطلقا؟! ، وقال في مبحث الجواهر منه : واختصّ الحدوث بوقته إذ لا وقت قبله (١) ؛ هذا.
وأمّا استلزام الحدوث ـ دهريا كان أو زمانيا ـ لثبوت القدرة بالمعنى الثاني ـ أعني : امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذاته تعالى مع وجوب احد الطرفين باعتبار المرجّح من الإرادة القديمة أو ذات الوقت أو العلم بالأصلح أو ما اخترناه ـ ونفي الايجاب المقابل لها ـ أعني : وجوب أحد الطرفين بالنظر إلى الذات ـ ، فلأنّه لو كان أحد الطرفين واجبا مع قطع النظر عن المرجّح فلا يخلوا إمّا أن يكون ذاته ـ تعالى ـ من حيث هو علّة مستقلّة وكافيا لحصول الفعل فيلزم قدم العالم ، أو لا بدّ من شيء آخر لوجوبه وحصوله ؛ فان كان هذا الشيء قديما لزم القدم أيضا ، وان كان حادثا لزم التسلسل والتخلّف ، مع انّ توقّف الوجوب على شيء آخر يستلزم الامكان ونفي الوجوب بالنظر إلى الذات ، فالحدوث لا يجتمع مع الايجاب بهذا المعنى.
فان قيل : اثبات القدرة بهذا المعنى بالحدوث دوري! ، لأنّ ثبوت النبوّة يتوقّف على اثبات القدرة بهذا المعنى ، فاثبات تلك القدرة بالحدوث الثابت بالاجماع المتوقّف حجّيته على ثبوت النبوّة دور ؛
قلنا : لا نسلّم توقّف ثبوت النبوّة / ٥٣DB / على القدرة بهذا المعنى ، ولو سلّم فلا نسلّم انحصار دليل الحدوث بالاجماع ـ كما مرّ ـ.
ثمّ لا يخفى عليك إنّا قد أشرنا إلى انّ حدوث العالم دهريا كان أو زمانيا يستلزم ثبوت القدرة بالمعنى الثالث ونفي الايجاب المقابل لها ـ أعني : جواز الانفكاك وامتناعه ـ ضرورة ، ولا نحتاج إلى الاستدلال عليه.
__________________
(١) راجع : كشف المراد ، ص ١٢٩ ؛ الشرح الجديد ، ص ١٨٦.