بل كان له أن لا يفعل ما فعل لانّه ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) (١).
ولا ريب في بطلان ما ذهبوا إليه ، لأنّ الفعل ما لم يجب لم يوجد ـ كما مرّ ـ ، واختيار احد الطرفين بمجرّد الإرادة من دون مرجّح له ظاهر البطلان ـ كما تقدّم ـ. فالحقّ نفي القدرة بهذا المعنى عنه ـ تعالى ـ وثبوت الايجاب المقابل لها له ـ جلّ شأنه ـ ، فإيجاد العالم في الوقت الّذي أوجده انّما كان على سبيل الوجوب لتعلّق الإرادة بايجاده ، لمرجّح كونه ـ تعالى ـ علّة مستقلّة لايجاده وعدم وقت قبله ـ كما اخترناه ـ ، أو لمرجّح المصلحة أو العلم بالأصلح ـ كما اختاره الآخرون ـ. وقد ظهر انّ القدرة بالمعاني الثلاثة الأول أعني : صدور الفعل بالمشية والإرادة والعلم وامكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات وامكانهما بالنظر الداعي في بعض الاوقات ـ ثابتة له ـ تعالى ـ ، والايجاب المقابل لها ـ أعني : الايجاب الطباعي ، أي : صدور الفعل بدون العلم والمشية ووجوب الفعل بالنظر إلى الذات ووجوبه بالنظر إلى الداعي في جميع الاوقات ـ منفىّ عنه ـ تعالى ـ ؛ وحدوث العالم ـ دهريا كان أو زمانيا ـ مستلزم لثبوت القدرة بالمعاني الثلاثة له ـ تعالى ـ ونفي مقابلاتها عنه ـ تعالى ـ.
أمّا استلزامه لثبوت القدرة بالمعنى الثالث ونفى الايجاب المقابل لها فظاهر ، لأنّ معنى القدرة بهذا المعنى راجع بعينه إلى جواز الانفكاك وامتناعه ، فتأثيره ـ تعالى ـ في العالم إن كان بالايجاب بهذا المعنى لزم قدم العالم بالضرورة ولا يحتاج إلى الاستدلال عليه ، ويكفى للتنبيه أنّ الحدوث بالمعنيين يستلزم سبق العدم على الحادث فينا في الايجاب بمعنى عدم الانفكاك بديهة. ويرد التنبيه عليه على تقدير الحدوث الزمانى / ٥٥MB / بأنّ العالم إذا كان حادثا بالحدوث الزماني لكان حدوثه لا محالة في حدّ مخصوص من لا يزال ، ولا يمكن استناد ذلك التخصيص إلى الممكن ـ لاستواء نسبته إلى جميع الحدود ـ ولا إلى الفاعل ـ لاقتضائه امتناع الانفكاك ـ ، فلا يجوز بالضرورة أن تقتضى نحوا من الانفكاك ، فبقى أن يكون هذا التخصيص بلا مخصّص ، وهو محال ؛ فالحدوث الزماني لا يجتمع مع الايجاب بهذا المعنى.
__________________
(١) مقتبس من كريمة ٢٣ ، الأنبياء.