الفعل اختياريا ولا في كون ذلك الفاعل قادرا مختارا.
ثمّ الحكماء لمّا ذهبوا إلى أنّ صفاته ـ تعالى ـ عين ذاته قالوا : انّ مبادي الافعال الاختيارية ـ من العلم والمشيّة والإرادة ـ تكون حاصلة له ـ تعالى ـ دائما ، فيدوم عنه صدور الفعل بسبب دوام تلك المبادي. فمقدّم الشرطية الأولى عندهم واقع ، بل ضروري ذاتي ؛ ومقدّم الشرطية الثانية غير واقع ، بل ممتنع امتناعا ذاتيا ، وقالوا : ليس ذلك منافيا لقدرته ـ تعالى ـ. فالقول بتأثيره ـ تعالى ـ بالاختيار بهذا المعنى ليس مختصّا بالمليين ، بل الحكماء أيضا قائلون بذلك ، فالايجاب المقابل له ـ أي : صدور الفعل بدون العلم والإرادة والمشية ـ ممّا لم يقل به أحد.
ولا يخفى عليك انّ القدرة بهذا المعنى ـ أعني : صدور الفعل بالعلم والإرادة والمشية ـ ممّا لا ريب في اتصاف الواجب ـ تعالى ـ بها وفاقا للكلّ ، ونحن ـ : معاشر المليين ـ متفقون للفلاسفة في اثباتها له ـ تعالى ـ ، إلاّ أنّ كلامنا معهم في وجوب صدور الفعل عنه دائما ووقوع مقدّم الشرطية الأولى / ٣٤DB / دائما ، فانّه يلزم منه قدم العالم ونحن لا نقول به ؛ وسيجيء تحقيق الكلام فيه.
وأمّا القدرة بالمعنى الثاني ـ أعنى : امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات ـ ، فلا ريب في اتصافه ـ تعالى ـ به أيضا كما اجمع عليه المليون ونسب إلى الحكماء أيضا. ويدلّ عليه : انّ الموجود بمحض ما هو موجود يمكن اتصافه بالقدرة بهذا المعنى ، ولا يمتنع عليه ذلك إلاّ أن يمنعه مانع زائد على نفس معنى الموجود ؛ وقد تقدّم ويأتي انّ واجب الوجود حقيقته صرف الوجود ومحضه لا يطمح فيه شيء غير نفس الوجود والموجود ، فاذن هذه الصفة ، أعني : القدرة بهذا المعنى ـ ممكنة له. ولا ريب أنّ كلّ ما يمكن له يجب أن يكون ثابتا له بالفعل ، لأنّه لو امكن له شيء ما ولم يكن حاصلا له بل كان بالقوّة لكانت ذاته حينئذ خالية بذاتها عن ذلك الشيء قابلة له ، فيحتاج إلى فاعل يوجد هذا الشيء فيها ؛
فان كان فاعل هذا الشيء وموجده فيها هو واجب الوجود نفسه كان الفاعل والقابل شيئا واحدا ، وهو باطل ؛ لأنّ الفاعل شأنه الافاضة والقابل شأنه