الوجود من حيث هو وجود خير ـ ، فلا احتياج في استناد الشرّ إلى مبدأ موجود ، لأنّ العدم يجوز أن يستند إلى عدم آخر ؛ كما انّ عدم المعلول مستند إلى عدم العلّة. فحينئذ ينهدم بنيان ما ذهب إليه الثنوية من انّ الشرّ لا بدّ له من مبدأ موجود ، لأنّ الشرّ إذا كان هو نفس العدم فلا يلزم أن يكون له مبدأ موجود ، لأنّ العدم يجوز أن يستند إلى عدم آخر كما انّ عدم المعلول مستند إلى عدم العلّة ؛ انتهى.
وأنت بعد الاحاطة بما ذكرناه خبير بجلية الحال في هذا الكلام صحّة وسقما!.
ثمّ الظاهر انّ مراد كلّ من الطوائف الثلاث ـ أعني : المجوس والمانوية والديصانية ـ ليس ما هو ظاهر كلامهم من القول بتعدّد المبدأ والذهاب إلى إلهين اثنين ؛
وأمّا المجوس : فلما أشير إليه من انّهم يقولون : انّ اهرمن مخلوق ليزدان وايجاده ليس شرّا ، بل انّما الشرّ منه. فيزدان أوجد اهرمن والشرور بأسرها انّما يصدر من اهرمن. وهذا كما ترى لا يدلّ على كون اهرمن مبدأ قديما يكون وجوده منه.
وأمّا المانوية والديصانية : فانّهم صرّحوا بأنّ النور ـ الّذي هو فاعل الخير ـ حيّ قادر عالم سميع ؛ ( و) (١) كيف يتّصف النور في المعنى المشهور بتلك الصفات؟! ؛ وكيف / ١٠٩MA / يقول عاقل بأنّ النور والظلمة مبدءان قديمان مستقلاّن بالوجود مع أنّهما عرضان محتاجان إلى الجسم؟! ، فيلزم قدم الجسم وكون الإله محتاجا إليه. فالظاهر انّ غرضهم معنى آخر سوى المتعارف.
أمّا المجوس فظاهر كلامهم أيضا ـ على ما نقلناه ـ لا يستلزم المخالفة لأصل التوحيد واصل عموم القدرة ، لأنّهم يستندون الجميع إليه ـ تعالى ـ ، لكنّهم لم يجعلوا الشرور مستندة إليه ـ تعالى ـ بلا واسطة لكونه خيرا محضا ، بل اسندوها إلى اهرمن ، وقالوا : انّ ايجاد اهرمن ليس شرّا بل خير ، لأنّ اعطاء الوجود خير مطلقا وانّما صدر الشر عن اهرمن لا منه ـ تعالى ـ.
وما قيل : انّ أيّ شرّ أشدّ مفسدة من ايجاد موجود يكون منبعا للشرور أبد الآباد ؛ مدفوع : بأنّه على قاعدة انّ الوجود خير مطلقا يمكن القول بانّه لا محذور في
__________________
(١) لفظة ( و) لم توجد في النسختين.