قال : لا منافاة بين عدم العالم في نفسه وامتناع عدمه بالنظر إلى مشيته ـ تعالى ـ ، فعدم صدوره ممكن / ٣٦MA / في نفسه وإن كان ممتنعا بالنظر إلى المشية الّتي هي عين ذات الفاعل.
ولا يخفى انّ هذا الكلام فاسد من أصله! ، لأنّ من فسّر القدرة بصحّة الصدور واللاصدور أراد به ما هو وصف للقادر لا ما هو وصف للمقدور عليه. كيف والامكان الذاتي للمعلول لا يجعل الفاعل مختارا؟! ، وإلاّ لزم أن يكون كلّ فاعل ـ ولو كان من الفواعل الطبيعية ـ مختارا وهو باطل لأنّ عدم كلّ ممكن في نفسه ممتنع بالنظر إلى علّته الموجبة له. فالصحيح انّ المراد بصحّة الفعل والترك هو صحّتها بالنظر إلى ذات الفاعل.
والجواب عن هذا الايراد : انّ المراد من عينية الإرادة ـ كما أشير إليه ـ هو انّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ من حيث انّه مبدأ لرجحان وجود النظام الأصلح أو لوجوب صدوره إرادة بمعنى انّ الحقيقة الواجبيّة فرد من الإرادة مخالف لسائر افرادها ، لكونها صفات زائدة قائمة بالمحال إذ نائب مناب الإرادة. والمراد على الوجهين انّ ما يصدر عن هذه الصفة الزائدة العرضية في غيره ـ تعالى ـ يصدر في الواجب عن ذاته المقدّسة ، ولا يخفى انّ ما هو المبدأ والمنشأ لايجاد العالم ـ أعني : الحقيقة الواجبية ـ ليس بمجرّد علّة لوجوب الصدور وإن كان إرادة بالمعنى المذكور حتى لا يصلح بالنظر إليه الصدور واللاصدور ، بل من حيث تعقّله وملاحظته للنظام الأصلح ، فلأصلحيّة النظام الواقعي مدخلية في وجوب الصدور وان كان مبدأ الانكشاف والتعقّل والصدور هو مجرد الذات الالهية ولا شبهة في ان النظام الاصلح امر خارج عن ذاته المقدسة لان الاصلحية من حيث هي أمر واقعي حاقّ نفس الأمر وليست إلاّ هى فعينيّة الإرادة لا تنفى صحة الصدور واللاصدور بالنظر الى ذات الفاعل.
فان قيل : الحكماء ذهبوا إلى أنّه ـ تعالى ـ يفعل ما يفعل لا لغرض يعود إليه ، لأنّه لو كان لفعله أمر زائد على ذاته أعمّ من أن يكون ذلك منفعة يجلبها أو مضرّة يدفعها