بصيران. وهو قد أنكر وجود شيء وحدوثه لا من أصل قديم. وقال : انّ فاعل الخير بأسره هو النور وفاعل الشرّ بأسره هو الظلمة.
ومنهم : الديصانية : اصحاب الديصان ، اثبتوا أصلين قديمين : النور والظلمة ، وقالوا : النور يفعل الخير قصدا واختيارا والظلمة يفعل الشرّ طبعا واضطرارا.
ومنهم : المجوس : الذاهبون إلى أنّ فاعل الخير هو يزدان وفاعل الشرّ هو أهرمن ـ ويعنون به الشيطان ـ. وقالوا : انّ يزدان قديم أزلي وأهرمن حادث منه. وذكروا في سبب حدوثه وفي سبب قدرته على فعل الشرّ ما يشمئزّ طباع العقلاء عن استماعه!.
ثمّ الظاهر من كلام الشهرستاني في الملل والنحل انّ المجوس لا تعدّون من الثنوية حيث قال : الثنوية أصحاب الاثنين الأزليين ، وهم يزعمون انّ النور والظلمة أزليان قديمان متساويان في القدم والازلية مع اختلافهما في الجوهر والطبع / ١٠٥MA / والفعل. بخلاف المجوس ، فانّهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه (١). ويؤيّد عدم كون المجوس من الثنوية ـ : المنكرين لهذا الأصل بالكلّية القائلين بتعدّد المبدأ ـ انّهم قالوا : انّ ايجاد أهرمن ليس شرّا ، بل انّما الشرّ منه ، فيزدان اوجد اهرمن وجميع الشرور يصدر من اهرمن. ولا ريب انّه على هذا لا يكون المجوس قائلين بإلهين اثنين ، بل يسندون الجميع إليه ـ تعالى ـ. لكنّهم لم يجعلوا الشرور مستندة إليه ـ تعالى ـ بلا واسطة ـ لكونه خيرا محضا ـ ، بل اسندوها إلى اهرمن وقالوا : انّ ايجاد اهرمن ليس شرّا ، بل خير ، لأنّ اعطاء الوجود خير مطلقا وانّما صدر الشرّ عن اهرمن لا عنه ـ تعالى ـ.
ثمّ شبهة هؤلاء الطوائف الثلاث : هي انّا نجد فى العالم خيرا كثيرا وشرّا كثيرا وإنّ الواحد لا يكون خيرا وشرّيرا ، فلكلّ منهما فاعل على حدة. وبتقرير آخر اوضح : انّ الله خير محض فلا يمكن أن يوجد الشرّ. بيان ذلك : انّ ذاته المقدّسة عالم بجميع الخيرات والشرور غير محتاج إلى شيء منها ، ومن كان كذلك لا يصدر عنه الشر بالضرورة ، فيكون خيرا محضا لا يمكن أن يوجد الشرّ. أو لأنّه ـ تعالى ـ عين الوجود و
__________________
(١) راجع : الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ، باختلاف يسير في اللفظ.