وجوابه : انّ المؤثرية اعتبار عقلى غير موجود في الخارج حتّى تكون ممكنا محتاجا إلى العلّة ولا ينافيه اتصاف الشيء بها في نفس الأمر ، لانّ انتفاء مبدأ المحمول لا يوجب انتفاء الحمل والاتصاف به ـ وقد مرّ توضيح ذلك وتحقيقه في الجواب عن شبهة لزوم التسلسل في اللزوم وامثاله ـ.
ومنها : انّ تاثير المؤثّر امّا في الماهيّة أو الوجود ، أو في اتّصافها به ، والكلّ باطل ؛ أمّا بطلان تأثيره في الوجود والاتصاف فلانهما أمران اعتباريان لا يصلحان اثرا للمؤثّر ؛ وأمّا بطلان تأثيره في الماهيّة فلأنّ الماهيّة لو كانت ماهيّة بتأثير المؤثّر لوقع الشكّ في كونها ماهيّة عند الشكّ في وجود المؤثّر ، وهو باطل ، فلو كان الانسان انسانا بجعل الجاعل لوقع الشكّ في كونه انسانا إذا شكّ في وجود الجاعل ، وهو باطل. وأيضا ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، فانّ الانسان في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر انسان ولو قطع النظر عن جميع ما عداه. وأيضا كون الانسان انسانا وكذا كون كلّ شيء نفسه لو كان بجعل الجاعل لم يكن الانسان انسانا ولا كلّ شيء نفسه عند عدم الجاعل ، بل كان قبل أن يفعله وبعد إن يعدمه غير نفسه ، فيلزم سلب الشيء عن نفسه ، وهو ظاهر البطلان (١)! ؛
أقول : قبل الخوض في جواب هذا الايراد لا بدّ لنا من تمهيد مقدّمة ، وهي انّ التأثير في الماهية يتصوّر على وجهين :
أحدهما : ان يجعلها الجاعل ايّاها ـ أي : يجعل الماهيّة ماهية ـ وهو الجعل المركّب في الماهيّة ؛
وثانيهما : أن يجعلها موجودة ـ أي : يجعل الماهيّة المعقولة موجودة في الخارج ـ ، وهو الجعل البسيط فيها.
والتأثير في الوجود والاتصاف أيضا يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يجعل الوجود وجودا والاتصاف اتصافا ـ وهو أيضا جعل مركّب فيهما ـ ؛
__________________
(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ١ ، ص ٢١٣.