ما ذكره بعض المتأخّرين من أنّ المراد بالواسطة هي الحركة السرمدية الّتي جعلها الفلاسفة واسطة في صدور الحوادث. فالمحقّق لمّا استدل بحدوث العالم على نفي الايجاب أشار إلى ابطال ما استند به الخصم في تصحيح الايجاب والقدم ـ أعني : الحركة القديمة وكونها واسطة بين الواجب والحوادث ـ.
وإذ ظهر ثبوت القدرة بالمعانى الثلاثة للواجب ـ تعالى شأنه ـ فاعلم! : انّ للمنكرين لها شبها على نفيها ، فلنذكرها ولنشير إلى كلّ شبهة تنفي القدرة بأيّ معنى ، ثمّ تأتي بالجواب على وجه لا تبقى شبهة ولا ارتياب!.
الشبهة الاولى : انّ القدرة على الشيء بمعنى صحّة الفعل والترك محال ، لأنّها يقتضي امكان صدور الأثر عن المؤثّر ، لكن صدور الأثر عن المؤثّر إمّا واجب أو ممتنع لا يخلوا عن أحدهما قطّ ، لأنّ المؤثّر إن استجمع جميع شرائط التأثير وجب صدور الأثر ـ لامتناع تخلّف / ٧٥MB / الأثر عن المؤثر التامّ ـ ، وإن لم يستجمع جميع شرائط التأثير امتنع وجود الأثر. وأنت تعلم انّ هذه الشبهة انّما تناسب نفى الاختيار بالمعني الثاني ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ، ونفي الاختيار بالمعنى الرابع الّذي تفرّد باثباته الأشعري ـ أعني : امكان الفعل والترك ولو في آن الحدوث وعند تحقّق الداعي ـ ، ولا يبقي الاختيار بالمعنى الأوّل ـ أي : صدور الفعل بالمشية والعلم ـ وهو ظاهر. ولا الاختيار بالمعنى الثالث ، إذ وجوب التأثير عند استجماع الشرائط وامتناعه عند عدمه لا ينافي حدوث العالم الّذي يرجع إليه معنى الاختيار بالمعنى الثالث ، إذ لعلّ وقت الحدوث استجمع الشرائط ووجب الحدوث وقبله ليس يستجمع وامتنع.
فان قيل : القدرة الملزومة للحدوث ـ أعني : القدرة بالمعنى الثالث المختصّة بالمتكلّم ـ اخصّ من القدرة بالمعنى الثاني الّذي هو متّفق عليه بين المتكلّم والحكيم ، فاثبات القدرة بالمعنى الثالث ملزوم اثبات المعنى المتّفق عليها ، ونفيها لازم نفيه. فان كانت تلك الشبهة نافية للقدرة بالمعنى المتّفق عليه ـ أي : الامكان بالنظر إلى الذات ـ كانت نافية للقدرة بالمعنى الثالث ، إذ نفى الأعمّ يستلزم نفي الأخصّ ؛