التوقّف على شرط حادث ؛ قلنا : قد مرّ مرارا أنّ بناء الاستدلال على فرض اجتماع المتنافيين والتكلّم على تقديره ، وحينئذ فلزوم محال من فرض محال آخر مسلّم ، إلاّ أنّه لا يضرّنا أيضا ـ كما لا يخفى ـ.
وقد وضح وضوحا تامّا بما ذكر أنّ الاستدلال المذكور على نفي الايجاب بالمعنى الّذي نحن بصدده لا يتمّ ولا يصحّ على قاعدة الاعتزال ، وعلى ما صحّ وتحقّق عندنا.
نعم! انّه يصحّ عند تابعي الاشعري ويتمشّى اجرائه على مذهبهم. ولا يرد عليهم النقض بصورة الاختيار ، لأنّهم جوّزوا تأثير الفاعل المختار بدون مرجّح ، فقالوا : إن كان تأثيره ـ تعالى في الحادث يحتاج إلى مرجّح غير الإرادة لزم قدم العالم أو التسلسل في الحوادث ، وكلاهما محالان. وحاصل كلامهم : انّ تأثيره ـ تعالى ـ ليس بالايجاب بل بالاختيار بدون الوجوب واللزوم ، بأن يكون المرجّح نفس إرادة الفاعل المختار وإلاّ لزم قدم العالم أو التسلسل في الحوادث ، وكلاهما محالان. فاعتقاد الاشعري انّ العلّة إن كانت موجبة ـ أي : علة على سبيل الوجوب واللزوم ـ نمنع تخلّف المعلول عنها ، فيتم الدليل من قبله ، لأنّه إن كانت العلّة الموجبة بجميع شرائطها حاصلة في الأزل فيلزم القدم البتة ، وإلاّ فيتوقّف على شرط ويلزم التسلسل. وأمّا إذا لم يكن ايجاب اصلا فلا يلزم من قدم العلّة قدم المعلول ، لأنّه يترجّح أحد مقدوريه على الأخر في أيّ وقت شاء بلا مرجّح.
وتوضيح ذلك : انّ الأشعرية لمّا قالوا انّ الفاعل المختار بإرادته يرجّح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجّح حادث في أيّ وقت شاء ـ بخلاف الموجب ، فانّه لو كان أثره حادثا لتوقّف على شرط حادث على مذهبهم لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التّام ـ فلم يجوّزوا في الفاعل الموجب الترجيح بلا مرجّح حتّى لا يتوقّف على شرط حادث على مذهبهم ، فأمكن الاستدلال من قبلهم على فرض الايجاب بانّه لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث ويلزم التسلسل. ولا يعقل المعارضة معهم بانّه على تقدير عدم الايجاب أيضا لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث ، لأنّهم في صورة الاختيار جوّزوا الترجيح بلا مرجّح ، فهم يمنعون هذه المقدّمة على هذا التقدير.