ـ تعالى ـ يقول : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) (١) ؛ هذا.
وأورد على الاستدلال بالنصّ والاجماع على حدوث العالم : بأنّه دوري ، إذ حجية النصّ والاجماع موقوفة على ثبوت الشرع ، وثبوت الشرع موقوف على العلم بصدق الأنبياء ، والعلم بصدقهم موقوف على العلم بقدرته ـ تعالى ـ ، إذ لولاه لجاز أن لا يقدر على منع اظهار المعجزة على يد الكاذب أو لا يكون صدور المعجزة منهم من جانبه ـ تعالى ـ ومن قدرته. والعلم بالقدرة ـ بمعنى جواز انفكاك العالم عن ذاته تعالى بالنظر إلى الداعي ـ هو عين العلم بحدوث العالم ، فيتوقّف حجية النصّ والاجماع بوسائط على العلم بالحدوث. فلو كان الحدوث موقوفا عليهما لزم الدور ؛
والجواب : انّ العلم بصدق الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لا يتوقّف على القدرة بهذا المعنى ، بل انّما يتوقّف على القدرة بالمعنى الأوّل المشهور ـ يعنى كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ـ ، أي : يكون صدور الفعل منه بالمشية والإرادة ، فانّه إذا علم أنّ صدور الفعل منه ـ تعالى ـ بالمشية والإرادة يحصل العلم بصدق الأنبياء ، لأنّه ـ تعالى ـ لا يشاء ولا يريد اظهار المعجزة على يد الكاذب ، وان لم يعلم الانفكاك بين الواجب والعالم. الا ترى انّ الحكماء لم يقولوا بثبوت القدرة بهذا المعنى له ـ تعالى ـ مع انّهم لا يجوّزون عليه ـ تعالى ـ اظهار المعجزة على يد الكاذب؟.
ونقل عن غياث الحكماء انّه قال في رسالته المسمّاة بدليل الهدى : (٢) ويمكن أن يقال بمجرّد مشاهدة المعجزة يحصل العلم بصدق صاحبها بلا احتياج إلى مقدّمة أخرى.
وحينئذ يمكن اثبات الاختيار بأيّ معنى كان ولو بالمعنى الأوّل ، بل اثبات الواجب وصفاته الكمالية أيضا بالشرع.
وقال بعض الفضلاء : الحقّ أن يقال : انّ اثبات النبوّة موقوف على وجود القدرة والاختيار لا على العلم بوجودهما ، لأنّا نعلم بديهة انّ اظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح عقلا يجب تنزيهه ـ تعالى ـ عنه ، وهذا القدر كاف / ٤٣MA / في اثبات النبوّة. و
__________________
(١) كريمة ٤ ، ابراهيم.
(٢) لم أعثر على هذه الرسالة ، والظاهر أنّها لم تطبع بعد.