والأشاعرة اثبتوا الكسب للعباد ، فقالوا : ان تعلّق قدرتهم وارادتهم بسبب عادي لخلق الله ـ تعالى ـ الفعل فيهم من غير أن يكون منهم تأثير أو مدخل في وجوده غير كونهم محالاّ ومظاهر له ، فجميع الأفعال عندهم مستندة إلى الله ـ تعالى ـ. إلاّ أنّها تصدر عنه عقيب إرادة لعبد من غير مدخلية للعبد وارادته فيها ، بل عادة الله جارية باصدارها مقارنة لارادة العبد. وأرادوا « بكسب العبد » تلك المقارنة ـ أي : مقارنة صدور الافعال من الله لقدرة العبد وارادته من غير أن يكون هناك تاثيرا ومدخلا في وجوده سوى كونه محلاّ له ـ. ولا ريب انّ ذلك مع كونه خلاف الضرورة والبداهة ـ لأنّ الضرورة حاكمة باستناد افعالنا إلينا ـ مستلزم للجبر وبطلان الثواب والعقاب.
والمعتزلة قالوا باستنادها إلى العبد من غير مدخلية للواجب وهو القول بالتفويض ، وهو يوجب كونها مستندة إلى الجهة المستندة إلى الممكن ـ أي : العدم والقوّة ـ. وقد ثبت انّهما لا يصيران منشئا للفعلية والوجود.
لا يقال : انّ غرضهم من استنادها إلى العبد أنّها مستندة إليه من جهة المستندة إلى الله ـ أعني : قدرة العبد وارادته وغير ذلك ممّا هو مترتب على فعليته ووجوده الّذي هو فائض من الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّا نقول : هذا التوجيه لا يلائم التفويض والمعتزلة القائلون به لا يقولون به ، كيف وعلى ذلك يكون هذه الأفعال مستندة إلى الله وهم يتحاشون عن استنادها إليه ـ تعالى ـ ولو بوجه؟! ، بل هو من أحد التوجيهات الّتي ذكرها اصحابنا الامامية القائلون بالأمر بين الأمرين ـ الّذي ورد عن ائمّتنا الراشدين سلام الله عليهم اجمعين ـ. قال بعض اصحابنا : فان قيل : إذا كان التأثير في الكلّ من الله فالعباد مجبورون ، فيكون التكليف لغوا! ؛
قلنا : لا منافاة بين ما حكم عليه البرهان واقتضاه وبين كون العبد فاعلا بالاختيار الّذي هو مناط صحّة التكليف والثواب والعقاب ، لأنّ ما دلّ عليه البرهان هو أنّ مفيض الفعلية والوجود لا يكون إلاّ الواجب ، لا أنّه لا يكون ممكن موقوفا عليه بالنسبة إلى ممكن آخر ولا يكون ممكن جزء علّة لممكن آخر ، إذ لا يلزم من عدم