المناهج ، ولمّا توقّف اثبات مدّعاهم على بيان أمرين ـ الاوّل : بيان كون البرهان اللمّى أوثق من الإنّي ، والثانى : بيان كون هذا المنهج لمّيا دون ساير المناهج ـ فقالوا في بيان الاوّل : وثاقة الدليل انّما هو لأجل افادته اليقين ، فكلّ ما كان افادته لليقين كلّيا واتمّ كان أوثق وأحكم ، وما يفيد اليقين الكلّي التامّ انّما هو برهان اللمّ دون الإنّ. امّا عدم افادته لليقين كلّيا لما ثبت واشتهر بين القوم من انّ العلم اليقيني الكلّي بما له سبب لا يحصل إلاّ من سببه ، فالإنّ فيما له سبب لا يفيد اليقين لتوقّف العلم اليقيني به على العلم من جهة سببه ؛ وقد صرّح به الشيخ في الشفا حيث قال ما حاصله : انّ الشيء إذا كان له سبب لم يتيقّن إلاّ بسببه ، فان كان / ٢١DB / الأكبر للأصغر لا بسبب بل لذاته وكان بيّن الوجود للأصغر ثمّ الأكبر بيّن الوجود للاوسط فينعقد برهان يقيني ، ويكون برهانا إنّيا لا لمّيا. وقال في موضع آخر ما حاصله : انّ برهان الإنّ يعطى اليقين في بعض المواضع ، وأمّا فيما له سبب فلا يعطى اليقين. وقد صرّح بذلك المحقّق الطوسى أيضا في مقام ترجيح طريقة الالهيين ، حيث قال بعد حكم الشيخ في الاشارات بأوثقية منهج الالهيين : وذلك لأنّ اولى البراهين باعطاء اليقين هو الاستدلال بالعلّة على المعلول ، وأمّا عكسه ـ : الّذي هو الاستدلال بالمعلول على العلّة ـ فربّما لا يعطى اليقين إذا كان للمطلوب علّة لم يعرف بها (١).
وامّا عدم افادته لليقين التامّ فلما اشتهر بينهم من انّ العلم بالعلّة يوجب العلم التامّ بالمعلول بخلاف العكس ، فانّ العلم بالمعلول لا يوجب إلاّ العلم الناقص بالعلّة.
ويرد على الأوّل : أمّا أوّلا : فبانّ البرهان ما افاد اليقين ، وبرهان الإنّ قسم منه ، والمقسم وما يعتبر فيه معتبر في القسم ، فكيف لا يفيد بعض اقسام الإنّ اليقين؟!. وتوضيح ذلك : انّ المنطقيّين قد ذكروا انّ كلّ قياس حمليّ لا بدّ فيه من مقدّمتين مشتركتين في حد يسمى بالحدّ الوسط ، لانّ نسبة محمول المطلوب إلى موضوعه لمّا فرضت نظرية مجهولة فلا بدّ من أمر ثالث يفيد العلم بتلك النسبة ، وإلاّ كفى تصوّر
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات ، المطبوع مع المحاكمات ج ٣ ص ٦٦. شرحي الاشارات ج ١ ص ٢١٤.