الشيء إلى العبد مطلقا. ولكن كون مهيته وحقيقته بحيث لا بدّ من اقترانها بعد وجودها ببعض الصفات / ٦٩DB / ـ وهي الصفات والأفعال الّتي تحقّق تلك الحقيقة موقوف عليها ـ أوجب صحّة استناد تلك الأفعال إليها أيضا. وبذلك يتصحّح معنى الأمر بين الأمرين.
ثمّ إنّه لمّا أمكن الاختلاف في اقتضاء المهيات بعد وجودها من أجل انضمام الأشياء الخارجية وعدمه ، فجاز أن تكون حقيقة زيد الموجودة بانضمام شيء كارشاد أو موعظة أو غير ذلك من التأييدات والتوفيقات من عند الله مقتضية للايمان والسعادة ، وبدونه غير مقتضية لهما ، وجاز أيضا أن يكون بعض المهيات مع انضمام الأشياء المذكورة كلاّ أو بعضا غير مقتضية لهما أوجب العناية الإلهية ارسال الرسل وانزال الكتب وافاضة التأييدات والتوفيقات ليصل إلى الكمال والسعادة من في شأنه الوصول ويتمّ الحجّة على من ليس من أهل الزلفى والصعود ، لئلاّ يتحقّق بخل من المبدأ الفيّاض بالنسبة إلى الأوّلين وينقطع العذر من الآخرين ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (١).
قلنا : لا ريب انّ الماهية الموجودة بشرط الوجود من عند الله ، فما يستند إليها يكون مستندا إلى الله أيضا ، فحينئذ تكون
الخصوصيات أيضا مستندة إلى الله ، فيلزم الجبر في التكاليف الشرعية. والحاصل انّ ما يمكن أن يستند إليه الأثر الموجود سواء كان ذاتا أو صفة حقيقية أو اعتبارية نفس أمرية أو خصوصية راجع إلى الوجود وهو من عند الله ـ سبحانه ـ ، وما ليس من عنده راجع إلى العدم المحض والليس الصرف ، فلا يمكن أن يستند إليه الأثر بوجه. مع أنّه لو امكن أن يستند إليه شيء وكان صدور خصوص المعصية من جهة اقتضاء خصوصية الذات وقابلية الماهية ولأجل ما يرجع إلى الماهية ـ أعني : لابدية اقترانها ببعض الصفات والافعال ـ لتحقّق حقيقتها. فأيّ تقصير للعبد؟! ، لأنّ تغيير الذات وتبديل مقتضاها محال!.
وما قيل : انّ تبديل الذات وإن كان محالا ولكن الذاتيات على قسمين : أحدهما
__________________
(١) كريمة ٤٢ ، الأنفال.