الوجود بالزمان وتدريجه من تتمّة العلّة التامّة لوجوده. فحيثما كان المانع في الأزل معدوما كانت العلّة التامّة موجودة ، فكان معلولها موجودا. ولمّا وجد بتدريج الزمان مانع وجوده فنقصت العلّة فصار معلولها معدوما ، وذلك مثل خرق السماء وشقّ القمر وامثالهما ، فانّه يجوز أن يكون عدم داعية الاعجاز من تتمّة العلّة المستقلّة لاتصال السماء والقمر ، فحيثما عدم هذا الداعي ولم يكن لها داع إلى الانخراق والانشقاق كانت الافلاك مصونة ملتئمة ، ولمّا حدث لها بتدريج الزمان داعية الاعجاز نقضت العلّة ، فعدم معلولها. ولا ريب انّ السكون إذا كان قديما يكون من هذا القبيل ، فيجوز أن يكون من تتمّة العلّة التامّة لوجوده عدم حدوث حادث مربوط الوجود بالزمان وتدريجه ، فحيث لم يحدث الحادث في الأزل وجد السكون ، فلا يبعد زواله إذا حدث ذلك بتدريج الزمان.
وبذلك يظهر أنّ العمدة في اثبات تناهى السكون للأجسام الساكنة هما الوجهان الأوّلان لا الدليل الّذي استدلّ به في المشهور. وإذ ثبت تناهي العالم من جانب البداية (١) يبطل به الحدوث الذاتي ـ أعني : القدم الزماني ـ ، اذ على القول به يكون الافلاك والعناصر غير منفكّة عن الواجب ـ تعالى ـ في الخارج ولا يوجد بينهما فاصلة.
ولا ريب أنّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ ازلي لا بداية له ، فتكون الافلاك والعناصر أيضا كذلك ، فيلزم عدم تناهي الحركات والزمان ؛ وقد علم تناهيها.
فان قيل : مجرّد تناهي العالم من جانب البداية لا يبطل القدم الزماني ؛ لأنّه إذا كان العالم متناهيا ولكن كان متّصلا بالواجب ولم يتحقّق بينهما انفصال حتّى امكن أن يقال كان الواجب ولم يكن العالم كان العالم حينئذ قديما ، والقول به ليس إلاّ قولا بالقدم. ولو اطلق عليه الحدوث فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح على اطلاق الحادث والقديم على ما كان زمان وجوده متناهيا وغير متناه ، وهو غير مفيد ، ولو جوّز هذا فلم لا يجوز كونه غير متناه أيضا؟!. والمفسدة فيه ليس إلاّ لزوم عدم الانفكاك بين الواجب ـ تعالى ـ وبين العالم ، وهو قد لزم في صورة التناهى أيضا!. فما لم يتبيّن
__________________
(١) النسختان : + و.