الاسباب ، فليس لأحد حينئذ أن يقول : انّ ذلك الفعل ليس مقدورا لذلك الفاعل لتوقّفه على تلك الاسباب. نعم! لو لم تكن تلك الاسباب مقدورة له يصحّ ذلك ؛ لكن الله ـ تعالى ـ ليس كذلك ، بل الكلّ بفعله ـ تعالى ـ. فاذا فعل الله ـ تعالى ـ فعلا باسباب مخلوقة له ـ تعالى ـ لم يقدح ذلك في كون ذلك الفعل مقدورا له ـ تعالى ـ. اذ الظاهر انّ معنى كون حركات العباد مقدورة له ـ تعالى ـ ليس انّه يمكن صدور تلك الحركات من الله ـ تعالى ـ بلا واسطة ، كيف والحركة لا بدّ لها من محرّك قريب مباشر للتحريك ومسافة تصحّ فيها تلك الحركة واعضاء وجوارح ، فكيف يمكن صدور تلك الحركة عمّن هو منزّه عن امثال ذلك؟!. فالحقّ انّ صدور تلك الحركة مقدورة له ـ تعالى ـ بأن يخلق اسبابا وادواتا تحصل بسببها تلك الحركة. فالقول ببعض الوسائط من ضروريات تنزيه الله ـ تعالى ـ وتقديسه.
والحكماء القائلون بالوسائط في الايجاد ـ كالجواهر المجرّدة والعقول الفعّالة والنفوس المدبّرة ـ قد جعلوا تلك الوسائط بالنسبة إلى كلّيات العالم كالاسباب الجزئية بالنسبة إلى تلك الأمور الجزئية مثلا ، فليس في العالم موجود ولا في رتبة / ٩٤MA / الامكان ممكن إلاّ وهو مقدور لله ـ تعالى ـ عندهم ؛ فالظاهر انّه لم يذهب إلى عدم الاحتياج إلى الوسائط واثبات القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير بالنسبة إلى جميع الموجودات سوى الاشاعرة الّذين لا يقولون بالربط العقلي والنسبة الايجابي اصلا ، لا له ـ تعالى ـ ولا لغيره.
وبذلك يندفع ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : من جوّز أن تكون لبعض المقدورات خصوصية بالنسبة إلى بعض القادرين له أن يمنع المقدّمة القائلة بأنّ مقدور المقدور للشيء مقدور له بلا واسطة. وإن أريد من هذه المقدّمة انّ مقدور المقدور للشيء مقدور له ـ أعمّ من أن يكون بواسطة أو بدونها ـ ، فممنوع ؛ لكن لا يثبت حينئذ شمول قدرته لجميع المقدورات بواسطة أو لا ، لكن الظاهر انّ المراد اثبات شمولها لجميعها بلا واسطة ؛ انتهى.
ثمّ على ما ذكر انّما يكفي الشمول ـ سواء كان بواسطة أو بدونها ـ في القدرة