ثمّ على الاستدلال المذكور لاثبات القدرة بأيّ معنى كان ايراد مشهور ؛ وتقريره : انّ ما ذكرتم في الدليل لا يعطى إلاّ أن يكون المؤثّر في العالم هو القادر ولا يقتضي أن يكون واجب الوجود هو القادر ، لأنّ العالم لحدوثه لو لم يكن مؤثره هو القادر بل كان موجبا لزم التخلّف أو التسلسل ، ولا يجب أن يكون مؤثره هو واجب الوجود. ولم لا يجوز أن يكون الواجب لذاته اقتضى على سبيل الايجاب موجودا قديما قادرا وذلك القادر هو الّذي أوجد العالم بالقدرة والاختيار. ولا يمكن أن يقال : ذلك القادر من العالم الثابت حدوثه فلا يجوز أن يكون قادرا ، لأنّ ما ثبت حدوثه انّما هو الاجسام وعوارضها دون المجرّدات ؛ فيجوز أن يوجد الواجب ـ تعالى ـ بطريق الايجاب جوهرا مجرّدا ليس بجسم وجسمانى ـ كالعقل مثلا ـ يكون قديما قادرا يكون هو الّذي أوجد العالم الجسماني بالقدرة والاختيار!.
واجيب عنه بوجوه :
الاوّل : انّ ( على ) (١) القدرة في اثبات حدوث العالم بمعنى ما سوى الله ـ تعالى ـ اجماع المليين والأخبار الكثيرة الّتي منها الحديث المشهور المتلقّى بالقبول عند أهل / ٦٦MB / الملّة. وقد عرفت فيما تقدّم انّ اثبات الحدوث المثبت به القدرة بها لا يؤدّي إلى الدور وليس لهما معارض عقلي يوجب ردّهما ؛ لمّا عرفت من ان ادلّة القدم كلّها مدخولة.
الثاني : إذا كان المعلول قادرا مختارا أوجب أن يكون العلّة أيضا كذلك ـ لما قالوا بعينه في استلزام عالمية المعلول لعالميّة العلّة ـ. وأيضا لا ريب في أنّ القادر المختار أشرف من الموجب وقد ادّعوا فيه الضرورة ، ولا يجوز أن يكون المعلول أشرف من العلّة بل العلّة اشرف منه من جميع الوجوه ؛ والظاهر انّ ذلك ممّا لا يقبل المنع ونسبته إلى الحكماء مكابرة وقد بنى عليه الحكماء كثيرا من أصولهم ومطالبهم. قال الشيخ الإلهي في المطارحات : وممّا ينبغي أن يعلم انّ جملة القدماء على اعتقاد الأشرف والأكرم في
__________________
(١) لفظة على لم توجد في النسختين ، ونحن اضفناها لمكان احتياج المعنى إليها.