صدورها / ٦٨DB / من دون افتقار إلى أمر خارج أيضا أنّه يلزم حينئذ دوام صدور كلّ فعل صدر عنه مرّة بحيث لا يكون في لحظة واحدة فارغا عنه ، لأنّ ما يكون من مقتضيات الماهية ولوازمها لا يمكن أن يتخلّف عنها ، لكونها علّة مستقلّة.
فان قيل : الإرادة جزء للعلّة ومجرّد الماهية من دون انضمام الإرادة ليست علّة مستقلّة لصدور الفعل ، وبعد انضمامها يصدر الفعل البتة ، فلو دام إرادة فعل لدام صدوره ؛
قلنا : ننقل الكلام في الإرادة وعلّة حدوثه من شخص دون شخص في وقت دون وقت ، فامّا يلزم التسلسل أو الانتهاء إلى الواجب أو إلى ماهية العبد وذاته. والأوّل بديهيّ البطلان ؛ والثاني مستلزم للجبر ؛ والثالث يوجب دوام الإرادة ، فيلزم دوام الفعل أيضا.
وأيضا : لا ريب في صدور الأفعال المتناقضة المتعارضة من العبد ـ كالقيام والقعود والنوم واليقظة وغير ذلك ـ ، فلو كان ذاته علّة لصدورها باعتبار واحد أو باعتبارات متعدّدة لزم اجتماعها في الصدور واتصاف العبد بجميعها في آن واحد ، وبطلانه ظاهر. والقول بأنّ الذات علّة بشرط الإرادة فلا يلزم ما ذكر ، قد عرفت حاله.
وقد ثبت ممّا ذكرناه أنّ تصحيح الأمر بين الأمرين بكون الفعل صادرا من العبد وهو الفاعل بالحقيقة ولكن اسبابه ـ كالقوّة والقدرة والهداية وإرادة الخير والشر وغير ذلك ممّا له مدخلية في صدوره من ارسال الرسل وإنزال الكتب ـ من الله ، فلكلّ فعل جهتان : جهة إلى العبد ـ وهو كونه صادرا عنه وكونه فاعلا بالحقيقة ـ ، وجهة إلى الله ـ سبحانه ، وهو خلق ما يتوقّف عليه الفعل من الأمور الداخلية والخارجية ـ لا يخفى ضعفه وعدم تماميته. لأنّه لو توقّف فعل العبد على أمر منته إلى الله لم يكن في قوّة العبد ولم يمكن صدور هذا الفعل من العبد بدونه ، وبعد حصوله لم يمكن له التخلّف ، لزم فساد الجبر وإن كان الفاعل حقيقة هو العبد ، لأنّه إذا كان تمامية العلّة بما هو من جانب الله ، وبعد حصوله حصلت العلّة المستقلة فحينئذ يجب صدر والفعل ولا يمكن للعبد تركه ، لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامة ، فيلزم الجبر.