و (١) الحقّ انّ أساطين الحكمة لا يثبتون التأثير الحقيقي للوسائط ، بل هي عندهم شروط ومعدّات ـ كما علمت من عباراتهم ـ ، وأصولهم المقرّرة أيضا يقرّر ذلك ، فانّ ما أسّسوه وقرّروه من اشتراط اللزوم والوجوب في صدور المعلول عن العلّة التامّة وامتناع تخلّفها عنه يدلّ على أنّ سلسلة الممكنات الموجودة بعضها مرتبط ببعض ارتباطا وجوبيا لا يمكن أن يتخلّف اللاحق منها عن السابق إلى أن ينتهى إلى مبدأ المبادى ، فلا يتعرّض موجود في هذه السلسلة عن الوجوب السابق. فكما أنّ العقل السليم يحكم بأنّ موجب فتح الفعل المرتّب على حركة المفتاح المرتّبة على حركة اليد ترتّبا وجوبيا لزوميا هو موجب حركة اليد وليس لحركة المفتاح وحركة اليد في هذه السلسلة افاضة وتأثير حقيقي وانّما هي شروط ومعدّات ، يحكم أيضا بأنّ الوسائط المتخلّلة في سلسلة الممكنات كذلك. فيكون وجوب كلّ من آحاد تلك السلسلة فائضا من الحقّ الأوّل المنقطع به السلسلة المذكورة ؛ وما سواه لا دخل له سوى كونه من الشرائط والاسباب. وبذلك وبما نقلناه من عبارات الحكماء يظهر ضعف ما ذكره بعض المتأخّرين من : انّ قول الفلاسفة في المقدّمة القائلة بأن لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله غير معلوم ولا يفهم ذلك من شيء من كلامهم المتداول عند المحصّلين ، / ٦٨MB / بل ظاهر مقالاتهم ينبئ عن خلاف ذلك ـ كما لا يخفى على من تتبع مسلكهم في بيان ترتيب الموجودات ـ.
ثمّ قيل : سلّمنا انّ الحكماء قائلون بأن لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله ، ولكن ذلك لا يوجب الاذعان ما لم يقم عليه قاطع البرهان. والبرهان المنقول عن بهمنيار ليس بتامّ. لأنّ الممكن في حدّ ذاته وان كان عدما صرفا وليسا محضا فلا يمكن أن يوجد شيئا بهذا الاعتبار ، لكنّه بعد تأثير الفاعل فيه يصير موجودا وحينئذ يمكن أن يوجد شيئا ولا يلزم شركة العدم في افادة الوجود اصلا. والحاصل انّه بعد اكتساب الوجود من الواجب ـ تعالى ـ وبعد خروجه من القوّة إلى الفعل يفيض الوجود بهذه الفعلية على ممكن آخر.
__________________
(١) الاصل : ـ و.