، فكونه حسنا مرجّح لايجاده ، فذاته من حيث هي لا يمتنع عليه الفعل والترك وانّما يمتنع الترك لأجل كون الفعل خيرا وحسنا.
هذا ؛ ولو لم يثبت القدرة بهذا المعنى من الشريعة القويمة والدلالة العقلية ـ كما ذكرناه من كون فعله تعالى معلّلا بالداعي ـ لم يترتّب على نفيها قدم العام ، لأنّه يمكن القول بحدوث العالم مع القول بوجوب الايجاد بالنظر إلى الذات ، لأنّ الذات إنّما يقتضي ايجاد كلّ شيء على ما ينبغي وافاضة الوجود على المهيات في الوقت الّذي يمكنها أن يقبل فيه الوجود ، فعلى القول بوجوب ايجاد نظام الخير بالنظر إلى الذات يمكن أن يقال : انّ هذا النظام انّما يقبل الوجود مسبوقا بالعدم الدهري أو الزماني وليس قابلا للوجود بدونه ، كما انّ الحوادث غير قابلة للوجود قبل أوقاتها المعيّنة ـ ويأتي لذلك زيادة بيان وإيضاح ـ.
وأمّا القدرة بالمعنى الثالث ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى شرائط التأثير في شيء من الأوقات ، وبالجملة امكان انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في وقت ما امكانا وقوعيا ـ فقد عرفت انّ الايجاب المقابل له هو امتناع الترك بالنظر إلى الداعى ونحوه من الشرائط المقتضية ـ أي : استحالة انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم ـ. وعرفت أيضا انّ الفلاسفة لم يثبتوا القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى شأنه ـ لذهابهم إلى الايجاب المقابل لها ـ أعني : قدم العالم ـ ، وانّ المعتزلة قائلون بثبوتها له ـ تعالى ـ.
واشرنا إلى انّ الظاهر انّ المعتزلة ومشاركيهم ممّن يثبت القدرة بهذا المعنى لم يريدوا بها امكان الفعل والترك امكانا وقوعيا في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر ، بل أرادوا بها وجوب الترك في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر. ولا بأس بإطلاق القدرة وامكان الترك والفعل امكانا وقوعيا على هذا المعنى. والباعث على هذا الحمل انّه لا ريب في انّه كما يجب ايجاد العالم في الوقت الّذي اوجده لوجود الشرائط المقتضية فكذا يجب تركه قبل ذلك لعدم تلك الشرائط ، فلا فرق بين وجوب الفعل والترك في الوقتين.