وقريب مما نقلنا ما ذكره بعض آخر من الأفاضل حيث قال : انّه / ٨٢DB / مذهب الاشاعرة القائلة بأنّ تعلّق إرادة الله ـ تعالى ـ بفعل العبد علّة لصدوره عنه بمعنى انّه مكسوب للعبد لا يكون قادرا قبل الفعل ، وعند المعتزلة القائلة بأنّ العبد فاعل لأفعاله قبل انضمام الإرادة وسائر الشرائط يكون قادرا بمعنى انّه لو أراد أحد طرفي المقدور مع ساير الشرائط صدر عنه الفعل ، فهو قبل الفعل / ٨٦MB / قادر ـ سواء صدر عنه الفعل أو لم يصدر ـ ، انتهى.
فظهر ممّا ذكرناه ومن كلام هؤلاء الأعلام : انّ الخلاف الواقع بين الاشعري والمعتزلة في كون القدرة مع الفعل أو قبله راجع إلى الخلاف المشهور بينهم في أفعال العباد ، وانّ مراد الأشعرية من القدرة المقارنة للفعل هي القدرة الغير المؤثّرة ، فبطلان قولهم ظاهر.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الخلاف السابق بين المعتزلة والأشاعرة ـ أعني : كون القدرة متعلّقة بالطرفين أو بطرف واحد ، أعني : الطرف الواقع ـ أيضا راجع إلى هذا الخلاف المشهور في أفعال العباد ؛ لأنّ الاشاعرة لمّا لم يثبتوا للعباد قدرة سوى القدرة الغير المؤثّرة المقارنة للفعل فلا بدّ أن يقولوا بتعلّقها بالطرف الواقع ، بخلاف المعتزلة.
وقيل : انّ الخلاف في كون القدرة قبل الفعل أو معه يساوق الخلاف في أنّ القدرة الواقعة هل يتعلّق بالطرفين أم لا ، فمن قال بتقدّمها يقول بتعلّقها بالطرفين ، وبالعكس.
وأورد عليه : بأنّ من قال بوجودها مع الفعل يمكنه أن يقول بتعلّقها بالطرفين بمعنى تساوي الطرفين بالنظر إلى ذات القادر من حيث هو قادر وإن وجب أحدهما بسبب اختياره ، نعم! ، لا يمكن القول بتعلّقها بالطرفين بمعنى حصول الطرفين بها بالفعل ، وهذا ممّا لا يمكن القول بها مع تقدّم القدرة أيضا ، وهو ظاهر ؛ انتهى.
ويمكن أن يقال : انّ مراد القائل انّ منشأ النزاعين ومبناهما واحد. وقد ظهر ممّا ذكر أنّ الخلاف في كون القدرة المؤثّرة مع الفعل أو قبله أو متعلّقة بالطرفين أو طرف واحد لا يمكن أن يتحقّق مع الأشعرية لعدم اثباتهم تأثير القدرة للعباد ؛ فان كان هذا