أو العلم بالأصلح الّذي هو عين الذات أو مجرّد إرادة المختار عند الاشعري ـ لتجويزه الترجيح بلا مرجّح له ـ كاف لترجيح آن الحدوث ولا يحتاج إلى شرط آخر ، فلا يلزم التسلسل. وأمّا في صورة الايجاب بالمعنى المذكور فلمّا لم يكن علم ولا اختيار فلا يتصوّر فيه ملاحظة المصلحة والأصلح ، فامّا أن يكون الذات كافية فيلزم العدم أو يتوقّف على شرط ، فيلزم التسلسل.
فان قيل : إذا كان المرجّح ذات الوقت وعدم وقت قبله ـ كما اخترتم ـ ، لم يكن فرق بين صورة الاختيار وصورة الايجاب ، لانّه إذا كان ذات الوقت مرجّحا لايجاده فيه ولم يكن الايجاد قبله ولم يقبل العالم الوجود قبله لم يتوقّف وجوده فيه على شرط حادث ـ سواء كان الفاعل مختارا أو موجبا ـ ، فكما انّه لم يمكن صدوره من المختار حينئذ قبل ذلك لم يمكن صدوره من الموجب قبله.
وتوضيح هذا الايراد : انّه على القول بالحدوث الدهري وتأخّر العالم عن العدم الصريح وعدم امكان وجوده قبل ذلك تكون ازلية العالم / ٥٣DA / ممتنعة ولا تكون ذاته من حيث هي قابلة لها ، فحينئذ يكون القدم الدهري ممتنعا على العالم من حيث هو ، كما انّ العدم الدهري يكون واجبا له بالنظر إلى ذاته ، فيكون طريق تأثيره ـ تعالى ـ فيه منحصرا في ايجاده بعد العدم الصريح. ولو كان موجبا ـ بأيّ معنى كان ـ ، فالحدوث الدهري لا يدلّ على نفي الايجاب اصلا ، وانّما كان يدلّ على نفي شيء منه لو أمكن التأثير على خلاف ذلك ، فيعلم منه اختيار ما لاستحالة الترجيح من الموجب المطلق. فللحكيم أن يقول : انّ العالم إذا لم يكن وجوده في الازل ممكنا فإيجاده منحصر في آن يكون فيما لا يزال ، فيجتمع مع كلّ ايجاب حتّى الايجاب الطباعي لاشتراط القابلية في معلول الموجب بهذا المعنى أيضا. فكما انّ في عدم احراق النار الحجر لعدم القابلية لا يكون النار موجبا في الاحراق فالتخلّف هاهنا أيضا لعدم القابلية في المعلول لا ينافي الايجاب في العلّة. قال الفخر الرازي في الأربعين من جانب الفلاسفة : وامّا إن كان قدم العالم محالا فنقول : انّ العلّة الموجبة قد يتخلّف عنها اثرها عند تخلّف الشرائط أو حضور الموانع ، ومن أقوى الشرائط كون المعلول في نفسه ممكن الوقوع ، ومن أقوى