الحكماء فانّه ممكن ، بمعنى انّ كلاّ من الوجود والعدم جائز له بالنظر إلى ذاته مع انّه يمتنع أن يصير تارة موجودا وتارة معدوما ، لأنّه لا يجوز عدمه بعد وجوده ولا وجوده بعد عدمه. فانّ يوم السبت من شهر كذا من سنة كذا مثلا إذا صار موجودا لا يعدم بعد ذلك ابدا ، بل يكون موجودا خارجيا / ٨MB / دائما ـ كما هو رأي الفلاسفة ـ ، وإن لم يكن موجودا في اليوم الأحد الّذي بعده ؛ يعنى ليس الأحد ظرفا لوجوده بل يصدق عدمه فيه ولا يجوز وجوده بعد صدق ذلك العدم. والحاصل انّ كلّ جزء من الزمان محدود بين جزءين آخرين يتعيّن وجود بينهما البتّة ، ولا يجوز عدم تحقّقه فيه ولا وجوده قبل وبعد ؛ فلا معنى لفرض وقوعه تارة وعدم وقوعه اخرى.
فالمحال الّذي هو ترجّح احد المتساويين من غير مرجّح انّما لزم / ٨DB / من فرض وقوع الممكن تارة وعدم وقوعه اخرى. وهذا الفرض لمّا لم يكن من لوازم الامكان فالمحال المترتّب عليه أيضا ليس بلازم. فحينئذ يجوز ان يكون بعض الممكنات بحيث يكون كلّ واحد من الوجود والعدم جائزا بالنظر إلى ذاته ، ويكون الوجود اولى له بالنظر إلى ذاته وكان وقوع عدمه ممتنعا.
وقد اجاب عنه بعضهم : بأنّا نفرض وجوده مع الأولوية تارة وعدمه معها اخرى في جميع الازمنة ولا نفرض وجوده في زمان واحد وعدمه في زمان واحد آخر حتّى يلزم فرض وقوعه تارة وعدمه اخرى ، ولا استحالة في الفرضين ـ اي : فرض كلّ من الوجود والعدم في جميع الازمنة ـ لعدم الانتهاء إلى حدّ الوجوب.
وانت تعلم انّ هذا الجواب في غاية الضعف ؛ لانّ الفرضين ليسا حينئذ متساويين ، لانّ الأولوية مرجّحة للوجود وغير مرجّحة للعدم ، فكيف يسلّم الخصم امكان فرض العدم في جميع الازمنة ومساواته لفرض الوجود فيه؟!.
وقيل في الجواب : انّ هذا الحكم إذا ثبت في بعض الممكنات الّتي يجوز وجودها تارة وعدمها اخرى ثبت في جميعها ، إذ العقل لا يفرق بين ممكن وممكن في هذا الحكم.
وردّ : بانّ هذه الدعوى ممنوعة ، لانّ التساوي ليس بيّنا ولا مبيّنا.