مراتب ـ على تقدير العلّية والشرطية ـ ، وبخمس مراتب ـ على تقدير الجزئية ، لوجوب تقدّم جزء العلّة عليها (١) ـ. وأمّا الامكان فلا ريب في انّه مقدّم على الاحتياج بالذات لعدم تصوّر الاحتياج بدون تصوّر الامكان.
فان قيل : الامكان صفة للممكن بالقياس إلى الوجود ـ لانّه عبارة عن مساوات نسبة الوجود والعدم إلى الماهية الممكنة ـ ، فيكون متأخّرا عن الوجود فلا يكون علة للاحتياج المتقدّم على الوجود بمراتب (٢) ؛
قلنا : الامكان وإن كان متأخّرا عن الماهية نفسها وعن مفهوم الوجود أيضا لكنّه ليس متأخّرا عن كون الماهية موجودة بل مقدّم على اتصاف الماهية بالوجود ، ولذا يوصف الماهية ووجودها بالامكان قبل اتصاف الماهية بالوجود. وامّا الحدوث فلا يتصف الماهية ولا وجودها به إلاّ إذا صارت موجودة ؛ على انّ تاخّر الحدوث عن الايجاد ممّا لا ريب فيه ، ولذا صحّ أن يقال : أوجد فحدث ، وبذلك ثبت المطلوب سواء قلنا انّه متأخّر عن الوجود أيضا أم لا.
واذ ثبت انّ علّة الحاجة هي الامكان يلزم منه أن يكون الممكن الباقى حال بقائه أيضا محتاجا إلى المؤثّر لانّ الامكان لازم لماهية الممكن ذاتي لها لا ينفكّ عنها حال البقاء أيضا ، فيوجد معلوله ـ أعني : الاحتياج ـ أيضا في تلك الحال (٣). كيف ولو صار الممكن بحصول الوجود له واجبا لصار بحصول العدم ممتنعا ، فلا يوجد ممكن أصلا وهذا خلف! ؛ فالافتقار لازم لماهية الممكن لا ينفكّ عنه في حال العدم ولا في حال الوجود ؛ ولنعم ما قيل :
سيه روئى ز ممكن در دو عالم |
|
جدا هرگز نشد والله اعلم! (٤) |
فما دام الامكان ثابتا للممكن يكون الافتقار إلى المؤثّر ثابتا له ، فلو فرض ممكن
__________________
(١) راجع : شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٤٩٠ ؛ تلخيص المحصّل ، ص ١٢٠ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ١ ، ص ٢٠٧.
(٢) راجع : تلخيص المحصّل ص ١٢٠.
(٣) راجع : تلخيص المحصّل ، ص ١٢١ ؛ كشف المراد ، ص ٥٦ ؛ المبدأ والمعاد ـ للشيخ الرئيس ـ ، ص ٢٥.
(٤) البيت استشهد به صدر المتألّهين ورئيسهم أيضا. راجع : الحكمة المتعالية ، ج ١ ، ص ٦٩.