آخر.
فان قيل : الفلاسفة لمّا قالوا بالقدم ولم يكن العالم حادثا عندهم فالتسلسل في المتعاقبات لازم عليهم البتة ، فجواز جعلهم المخصّص ذات الوقت أو العلم بالأصلح لا معنى له! ؛
قلنا : قد تقدّم انّ حدوث العالم مع الايجاب بالمعنى المذكور أمر لا يعقل إلاّ أنّ التوقّف على شرط حادث انّما أخذه المستدلّ على فرض اجتماع الحدوث مع الايجاب بالمعنى المذكور وقطع النظر عن امتناع ذلك ، بل فرض الوقوع وتكلّم بانّه حينئذ يلزم التوقّف على شرط حادث ، فالمطلوب انّه إذا امكن على سبيل الفرض والتقدير اجتماع الحدوث مع الايجاب بالمعنى المذكور ـ أي : ما هو ملزوم القدم لزوما بينا كما أخذه المستدلّ ـ فللحكيم أن يجعل المرجّح لآن الحدوث هو العلم بالأصلح ، كما انّ للمستدلّ أن يجعله ذلك بعد المعارضة. وبالجملة انّ الحكيم لمّا لم يقل بالحدوث لم يكن يجعل المخصّص العلم بالأصلح مذهبا له ، إلاّ أنّ سند المنع لا يلزم أن يكون مذهبا للمانع.
وأيضا لو وجب الزام الحكيم بما هو مذهبه ولا يجوز له التعدّي إلى ما لا يقول به لكان اجراء هذا الدليل من قبل المعتزلة الزاميّا على الحكماء ، وهو ليس بصحيح ، لابتنائه على امتناع التسلسل التعاقبي ، وهو ليس بمسلّم عندهم.
وقد ظهر ممّا ذكر انّ المعارضة واردة على المعتزلة ، فالاستدلال المذكور من قبلهم لا يكون برهانيا ـ لعدم تسليمهم المقدّمة المذكورة ، أعني : توقّف الحادث على الشروط الحادثة ـ ولا الزاما على الحكماء لما ذكر ، لا لأنّ تلك المقدمة ليست مسلّمة عند الحكماء ـ كما قال بعض الأفاضل : الظاهر انّ تلك المقدّمة غير مسلّمة عند الحكماء أيضا ، لأنّهم يتشبّثون في استناد الحادث بالقديم بموجود قديم مستمرّ متجدّد متّصل واحد ذي اعتبارين كالحركة يكون باحدهما شرطا لحدوث الحادث وبالآخر مستندا بالقديم السرمدي ، كما ينوّه في محله ؛ ـ انتهى.
وقال بعض آخر : انّ التوقّف على الشرط الحادث والتزام التسلسل في الشروط