وأمثال هذه الأخبار بلغت حدّ التواتر. ومن تأمّل في كلام مولانا أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في نهج البلاغة يعلم انّ من وصف الله ـ تعالى ـ بالزمان ونسبه إليه لم يكن من العارفين بالله وصفات كماله ونعوت جلاله (١).
ومنها : انّ الزمان والمكان متشابهان متساويان في الاحكام ، فكما انّ وراء الامتداد المكاني ـ أعني : فوق الفلك الاقصى المحدّد لجهات العالم ـ عدم صرف لا خلأ ولا ملأ ولا امتداد لا لا لا امتداد ولا نهاية ولا لا نهاية وإذا بلغ انسان إلى السطح المحدّب منه لم يمكنه أن يمدّ يده ويبسطها ـ لا لمصادم ومانع مقداري ، بل لعدم الفضاء و/ ٤٤DA / البعد وانتفاء المكان والجهة ـ فكذلك وراء الامتداد الزماني عدم صريح لا تمادّ ولا لا تمادّ ولا استمرار ولا لا استمرار ولا زيادة ولا نقصان ولا نهاية ولا لا نهاية.
وأورد عليه : بانّه تمثيل لا يناسب المباحث الحكمية ، وهو قول على سبيل التوسّع. والمقصود انّه لا شيء ورائه بدون توهّم فوقية أصلا.
وغير خفي انّه ليس مجرّد التمثيل ، بل العقل السليم يحكم بتساويهما وعدم الفرق بينهما ، فانّهم قالوا : انّ فوق محدّد الجهات لا خلأ ولا ملأ مع انّ الفوقية متحدّدة به.
فكما انّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني انّ ورائه عدم صرف ونفي محض وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم انّ لهذا العدم المحض فوقية ما على المكان والمكانيات كفوقية بعض اجزاء المكان على بعض مع انّه لامكان هنا ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيات في جانب البداية انّ ورائها عدم صرف ونفي محض ويحكم بانّ لهذا العدم المحض قبلية ما هو على وجود العالم والزمان شبيهة بقبلية اجزاء الزمان بعضها على بعض ؛ ولذا قيل : الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الفلاسفة والمليين هو هذا الحدوث لا تقدّم العدم المحض على وجود العالم والزمان ، فالمليون يثبتونه والفلاسفة ينكرونه. واطلاق الحدوث الزماني عليه لكون سبق العدم على الزمان والعالم ـ كسبق اجزاء الزمان بعضها على بعض ـ. ولا يلزم من ذلك وجود
__________________
(١) اشارة إلى ما وقع في بعض خطبه ـ عليه وعلى اولاده وآبائه آلاف التحيّة والثناء ـ ، كقوله : لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات .... راجع : نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٦ ، ص ٢٧٤.