يكون وقوع الطرف الراجح ـ أعني الوجود ـ موقوفا على هذا الموجود ، فلا يلزم انسداد باب اثبات الصانع.
وفيه : انّ الممكن الّذي كلامنا فيه ليس معلولا لشيء حتّى يكون عدمه مستندا إلى عدم هذا الشيء. ثمّ إذا فرض عدم عدم هذا الشيء لزم وجوده ، فيجوز ان يكون عدم الممكن المفروض مستندا إلى شيء موجود ولا يمتنع أن يكون العدم اثرا لموجود ، بل الممتنع هو العكس ، وحينئذ عدم علّة عدمه ليس إلاّ ارتفاع هذا الشيء الموجود ؛ وعلى هذا صيرورة الممكن الّذي وجوده أولى لا يحتاج إلى شيء موجود خارج عن ذاته ، بل لا يحتاج إلاّ إلى ارتفاع سبب العدم.
والجواب : انّ سبب العدم اذا كان أمرا موجودا خارجيا عن ذات الممكن المفروض فارتفاعه يحتاج إلى علّة فعلية إن كانت شيئا موجودا ، فالممكن المفروض يحتاج في صيرورته موجودا إلى هذا الشيء ولا يكفى مجرد الاولوية. وإن حصل الارتفاع بمجرّد الاولوية ـ أي : كان هذا الممكن عدمه أولى من وجوده ـ ففيه : انّ مجرّد هذه الاولوية غير كافية لارتفاعه ، لانّه لمّا كان موجودا على ما هو المفروض فارتفاعه دفعة موقوف على ارتفاع سبب الوجود ، فان كان سبب الوجود هو مجرّد اولويّة الوجود فكيف يمكن مع ذلك أن يصير العدم أولى له في حالة اخرى؟ وإن كان سبب الوجود أمرا موجودا / ٨MA / آخر فارتفاعه أيضا يحتاج إلى ارتفاع / ٧DA / علّة وجوده ، ويرد الترديد ويلزم التسلسل إلى غير النهاية ، وهو باطل!.
ومنها : انّه لو كان لاحد طرفي الممكن أولوية يقع بها فامّا يجوز وقوع الطرف الآخر ، أو لا ؛ فعلى الثاني لا يكون ممكنا بل واجبا ، هذا خلف! ؛ وعلى الأوّل فاذا وقع الطرف المرجوح فاما أن يكون وقوعه مستندا إلى علّة أو لا ، والثاني باطل ـ لاستلزامه ترجّح المرجوح بنفسه ـ ، وعلى الأوّل فامّا أن يصير الطرف المرجوح لاجل العلّة اولى أو لا ، والثاني باطل ـ لانّ العلّة لا تكون علّة ما لم يصر المعلول بها أولى ـ ، والأوّل أيضا باطل لاستلزامه مرجوحية الطرف الاولى بذاته ، فيزول ما بالذات لأجل الغير (١).
__________________
(١) راجع : تلخيص المحصّل ص ١١٩.