تصوير معنى الآيتين إلى الزمان الموهوم ، فضلا من أن تكونا دليلتين عليه.
وإذ ثبت بطلان الزمان الموهوم ـ وقد ثبت أيضا فساد القول بمجرّد الحدوث الذاتي ـ فثبت من ذلك حقّية الحدوث الدهري ـ أي : مسبوقية وجودية العالم على العدم الصريح الواقعي الّذي لو وجد فيه زمان لكان غير متناه ـ. وهذا الحدوث مستلزم للحدوث الذاتي أيضا ، لأنّ تأخّر العالم عن الله بالعدم الصريح الواقعي مستلزم للتأخّر الذاتي الّذي هو عبارة عن محض الفاقة المرادف للحدوث الذاتى ، فالحدوث الدهري مستلزم للحدوث الذاتي بخلاف العكس ، كما انّ الحدوث الزماني مستلزم للحدوث الدهري بخلاف العكس.
ثمّ اعلم! انّ تقدّم الواجب والعدم على القول بالحدوث الزماني هو تقدّم بالزمان ، بمعنى أنّهما متقدّمان زمانا على العالم ، وعلى القول بالحدوث الذاتي تقدّم بالذات. ويسمّى بالتقدّم العقلي ، لأنّه اعتبار يخترعه العقل من تلقاء نفسه ، وليس تقدّما بحسب الخارج والواقع. وعلى القول بالحدوث الدهري هو تقدّم دهري بمعنى انّ الواجب وعدم العالم متقدّمان عليه بحسب الدهر ـ الّذي هو الواقع ونفس الأمر ـ ، لأنّ الفصل بينهما هو الواقع ونفس الأمر لا الزمان ، فيكون تقدّما زمانيا ، ولا مجرّد اعتبار العقل ليكون محض التقدّم العقلي. وتوضيحه : انّه إذا كان وجود العالم متناهيا في جانب البداية كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الّذي اثبته / ٤٦DA / الحكماء ، لعدم تقدّم الممكن على وجوده المعبّر بالحدوث / ٤٨MA / الذاتي. وهذا التقدّم شبيه بالتقدّم الزماني الّذي للحوادث الزمانية ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق. والفرق انّ لتقدم الزمانيات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا يعرض ذلك التقدّم في الخيال أوّلا وبالذات لأجزائه المتجدّدة المتصرّمة المستمرّة وبتوسّطها يعرض للحوادث الزمانية ، ولهذا يفرض لهذا التقدّم خواصّ التقدّر والتكمّم. بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم ، فانّه ليس له ذلك الملاك ، ولا يمكن تعيينه وتقديره ولا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم وإن كان عدميا واقعيا نفس أمري كالعدم الّذي فوق محدّد الجهات.