قلنا : المسبوقية الزمانية ممنوعة والذاتية لا تنافي الازلية ، فيجوز أن يكون أثر القادر قديما زمانيا مسبوقا بالقصد والإرادة بالذات لا بالزمان.
فان قيل : المراد بالأزلي الّذي لا يكون أثرا للقادر المختار ما لا يتقدّم عليه شيء أصلا ـ : لا بالزمان ولا بالعلية ـ ؛ والعدم الأصلي بمعنى سلب الوجود سلبا تحصليا لا سلبا عدوليا كذلك ـ أي : لا يتقدّم عليه شيء أصلا ـ ، إذ كلّ ممكن في مرتبة ذاته من دون ملاحظة وجود علّته وعدمها مسلوب الوجود ـ كما بيّن في مقامه ، وصرّح به الفارابى في الفصوص والشيخ في الشفاء ـ. وهذا العدم هو الّذي لا يصلح لأن يكون أثرا للمؤثّر لا غيره من الأعدام المسبوقة بالقصد والإرادة بالذات أو بالزمان ، إذ لا شكّ أنّ كثيرا من المقدّمات آثار للمؤثّرات ، وعلى هذا يتمّ عدم كون الأزلي أثرا للقادر عند المتكلّم والحكيم أيضا ، ولا يختصّ بالمتكلّم ؛
قلنا : إن اريد بالعدم الأزلي ذلك ـ أي : ما لا يتقدّمه عليه اصلا ، لا ذاتا ولا زمانا ـ ، فلا ريب في عدم كونه مقدورا ، فانّ كون شيء مقدورا ـ وجودا كان أو عدما ـ لا يتصوّر بدون أن تتعلّق به قدرة فاعلة ، فيلزم تقدّمه عليه البتّة. وعلى هذا فيكون عدم الشيء مقدورا لا يتعقّل بدون أن يكون هذا الشيء موجودا ثمّ تقدّمته علّة ما ، أو يكون عدم شيء مسبوقا لموجود كان من شأنه ايجاد هذا الشيء المعدوم وابقائه على عدمه كما كان ، وحينئذ يكون هذا العدم مقدورا من حيث بقائه واستمراره إذا لوحظ مع تلك العلّة الّتي من شأنها رفعه وابقائه على حاله ، فانّه من حيث يمكن لهذه العلّة أن يرفع هذا العدم ومع ذلك لا يرفعه ولا يبقيه على حاله فيجوز أن يكون متعلّق القدرة من تلك الحيثية واستناده إلى عدم إرادة الفاعل لايجاده أو إرادته لكونه معدوما وهو يكفي لكونه مقدورا ـ كما ذكرنا أولا في الجواب عن الشبهة ـ. وليس مقدورا من حيث ذاته وحقيقته ، إذ لو فرض عدم وجود تلك العلّة لكان هذا العدم أيضا ثابتا ، بل باقيا مستمرّا ؛ فالمراد : انّه مع فرض وجود الفاعل القادر على عدم الشيء يمكن أن يكون استمرار عدم هذا الشيء مقدورا بالحيثية المذكورة.
وبما قرّرناه من جواز عدم مقدورية العدم إذا كان ازليا ذاتيا فاذا أريد من ازلية