آخر أو لا ـ. وقد تقرّر بين القوم انّ كلّ حكم ثبت لكلّ واحد من أشياء على جميع تقادير وجوده لا يختلف هذا الحكم في تلك الصورة بين الكلّ الافرادي والكلّ المجموعي. كما في احتياج الممكن ، فانّه لمّا كان كلّ واحد من افراد الممكن محتاجا إلى العلّة على جميع تقادير وجوده ـ أي : سواء كان معه ممكن آخر أو لا ـ حكموا بعدم التفاوت بين الكلّ الافرادي والمجموعي في الاحتياج إلى العلّة. فعلى المشاكلة يكون الحكم المذكور ـ أعني : سبق العدم الزماني ـ ثابتا لمجموع الأفراد بحيث لا يشذّ عنه فرد.
ولكون العدم السابق على مجموع الأفراد عدما زمانيا يكون ذلك الزمان الّذي عدم فيه مجموع الأفراد مشغولا بعدم جميع الأفراد بحيث لا يشذّ فرد ، فلا يوجد فرد من افراد تلك الطبيعة في ذلك الزمان البتة. فحينئذ إمّا أن تكون تلك الطبيعة موجودة في ذلك الزمان أو معدومة فيه ، فعلى الأوّل يلزم وجود الطبيعة مجرّدة عن الفرد وهو باطل ، وعلى الثاني يلزم أن يكون حادثا بالحدوث الزماني كأفرادها ، فظهر انّ حدوث جميع افراد الطبيعة بالحدوث الزماني يستلزم حدوث الطبيعة أيضا كذلك ؛ انتهى.
اقول : الحقّ في هذا المقام انّ قدم الطبيعة مع حدوث جميع أفرادها غير معقول ، بل إن كانت جميع افراد طبيعة حادثة لكانت تلك الطبيعة أيضا حادثة ، ولا يعقل قدمها إلاّ إذا كان بعض افرادها قديما. والتحقيق ـ كما أفاده الفاضل المذكور ـ عدم الفرق في ذلك بين القدم والحدوث الدهريين وبين القدم والحدوث الزمانيين. والدليل على الكلّ : انّه لا شكّ انّ الطبيعة ليست موجودة بوجود على حدة منفكّة عن افرادها. ومحلّ الخلاف المشهور في وجود الكلّي الطبيعي ـ كما حرّره العلاّمة الرازي في رسالة الكلّيات (١) وغيره من أهل التحقيق ـ هو : انّ الطبيعة هل هي موجودة في الخارج بوجود افرادها حتّى تكون الطبيعة موجودة ويكون الفرد موجودا آخر ووجودهما واحد ، أو هي غير موجودة في الخارج اصلا ، بل الموجود فيه افرادها فقط وهي موجودة في الذهن ، لا غير فعلى هذا لو كانت موجودة ـ كما هو التحقيق ـ فلا محالة يكون وجودها بوجود افرادها ؛ فهي موجودة بوجود كلّ فرد. فلها وجودات متعدّدة بحسب
__________________
(١) لم أعثر على هذه الرسالة ، والظاهر أنّها لم تطبع بعد.