فان قيل : انّما يلزم الجبر إذا كان وجوب صدور خصوص فعل الطاعة أو المعصية من جانب الله ومستندا إلى الاسباب الصادرة عن الله ، وليس كذلك ؛ لأنّ نسبة الأسباب المذكورة إلى السعيد والشقيّ والمطيع والعاصي على السواء وما أعطى منها لأحدهما أعطى بعينه للآخر فهما في اعطاء الأسباب وافاضة (١) الشروط والآلات سواء ، فهو ـ أي : وجوب صدور خصوص فعل الطاعة أو المعصية ـ مستند إلى ذات العبد ومهيته ، وجودة طينته وخباثته. فالمحسن لجود ذاته اختار الطاعة واستحقّ الثواب والعاصي لخبث مهيته اختار المعصية واستحقّ العذاب. فما افيض من الله من الوجود والقدرة والإرادة وارائة الطريق وغير ذلك يعمّهما على السواء ، وتفاوتهما في اختيار الطاعة والمعصية مستند إلى ذاتهما ؛
قلنا : حينئذ يعود الاشكالات المتقدّمة الواردة على القول باستناد الأفعال إلى ماهية العبد وذاته من كون ذاته محض القوّة والعدم ، فكيف يصير منشئا لصدور / ٧٢MA / خصوص الافعال واختلافها؟!. ولا يمكن أن يقال : اختلافها مستند إلى اختلاف القابليات في المهيات ، لأنّ محض القوّة والعدم ليس له في نفسه قابليّة فضلا عن اختلافها ؛ ومن لزوم دوام صدور فعل صدر عنه مرّة ؛ ومن وجوب صدور الأفعال المتناقضة المتقابلة عنه في آن واحد ، ومن لزوم الجبر وبطلان الثواب والعقاب ، لأنّ مقتضى الذات لا يمكن انفكاكه والعبد غير متمكّن من تركه.
فان قيل : لا ريب في أنّ المهيات الامكانية في حدّ ذواتها مع قطع النظر عن موجدها وتأثيره فيها محض القوّة وصرف العدم ليس لها اقتضاء ولا قابلية ، إلاّ أنّه إذا أوجدها الواجب ـ تعالى شأنه ـ كان لكلّ منها في حدّ ذاته خصوصية ولوازم لا يوجد في غيره ، فان الانسان ماهية وحقيقة إذا وجد في الخارج كان بمحض حقيقته ومعناه ناطقا سميعا بصيرا ـ إلى غير ذلك من خواصّ الانسانية ولوازمها ـ ، والجسم حقيقة إذا وجد في الخارج كان لصرف ماهيّته ومعناه قائما بذاته ، والعرض ماهيّة إذا
__________________
(١) الاصل : + و.