وجد في الخارج كان في حد ذاته قائما بغيره ، والنار حقيقة إذا وجدت في الخارج كانت في حدّ نفسها حارّة ، والماء بمحض ذاته بارد ، والأربعة عدد إذا وجدت في الخارج كانت بمحض ذاتها زوجا ، وهكذا الحال في غير ذلك من المهيات. فالصانع / ٦٩DA / الحكيم ـ جلّ شأنه ـ أوجد كلّ شيء بخواصّه ولوازمه وبالخصوصيّات الّتي تقبلها ، فلا يمكن أن يوجد انسان كان ناهقا وحمار كان عاقلا ونار كانت باردة وأربعة كانت فردا ولا عشرة كانت أزيد من عشرين ، بل ما أوجد ناهقا يكون حمارا وما اوجد عاقلا يكون انسانا إلى غير ذلك. إذ الانسان بنفس حقيقته ومعناه لا يمكن أن يكون ناهقا والنار بنفس ماهيتها لا يمكن أن تكون باردة والأربعة بصرف حقيقتها لا يجوز أن تكون فردا والعشرة بنفس معناها لا يمكن أن يكون أزيد من العشرين ، وقس عليها غيرها. فوجودات الأشياء وقابلياتها وخواصّها ولوازمها فائضة من عند الله ـ تعالى ـ ، إلاّ انّ اختلافها في القابليات واللوازم وخصوصياتها مستندة إلى ذواتها ومن عند انفسها من حيث أنّها موجودة لا من حيث أنّها معدومة ، إذ من حيث هي لذواتها من حيث ذواتها مع قطع النظر عن وجوداتها معدومة صرفة والعدم لا يمكن أن يصير منشئا للأثر. والحاصل انّ وجوب صدور خصوص كلّ فعل من شيء ـ كوجوب صدور خصوص الطاعة من زيد والمعصية من عمرو ـ ليس مستندا إلى مهيته المعدومة أو مهيته من حيث هي لرد انّ القوّة والعدم لا يصير منشئا لشيء ، بل هو مستند إلى ماهيّته الموجودة بشرط الوجود ، وهي ليست محض القوّة والعدم.
ولو شئت بيانا أوضح واتمّ نقول : لا ريب في أنّ جميع الموجودات والماهيّات مستندة إليه ـ تعالى ـ ، ولو لا افاضته وايجاده ـ تعالى ـ ما شمّ شيء رائحة الوجود.
والمهيات مع قطع النظر عن تأثيره وايجاده ـ تعالى ـ لا شيء محض ، لأنّها في حد ذاتها ليست إلاّ صرف العدم وعدم الصرف ، لكنّها إذا وجدت في الخارج كان لكلّ منها خواصّ ولوازم على حدة ، لا بأن تكون تلك الخواصّ واللوازم مستندة إلى المهيات ، فانّ هذا بديهي البطلان. لأنّ العدم الصرف في حدّ ذاته كيف تقتضي خاصية ولازما ، بل تلك الخواصّ واللوازم أيضا مستندة إلى جاعل الماهية ، فانّ الماهية بلوازمها