مع انّه في ايجاده (١) فوائد عظيمة وخيرات جسيمة عائدة إلى النظام الأعلى ولا يعلمها أحد إلاّ خالقه.
وبما ذكر اندفعت شبهة الثنوية في اثنينية المبدأ مع ما يستنبط منها من لزوم نفي عدم قدرته ـ تعالى ـ من غير أن يلزم كونه ـ تعالى ـ فاعلا للشرّ ، لأنّه لمّا ثبت انّ الشرور مستندة إلى بعض الممكنات المخلوقة له ـ تعالى ـ مع كونها مقدورة له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته بلا واسطة أيضا ـ وبه يثبت كونها مقدورة له بالقدرة المستجمعة للشرائط بالواسطة وبالقدرة بالمعنى المشهور بلا واسطة ـ ، فيبطل اثنينية المبدأ ويثبت عموم القدرة بالمعنيين وإن كان العموم في احدهما بالواسطة ؛ ولا بأس فيه ـ كما تقدّم ـ.
ولمّا تقرر انّ تلك الشرور مع استنادها إلى غيره ـ تعالى ـ قليلة تابعة لخيرات كثيرة واقعة بالعرض فلا يكون الواجب ـ سبحانه ـ فاعلا بالذات / ١٠٣DB / لشرّ اصلا.
والعجب انّ الثنوية لمّا ارادوا تنزيهه ـ سبحانه ـ عن صدور الشرّ منه ارتكبوا ما هو أشدّ عنه وافضح! ـ أعني : اثبات اثنينية المبدأ ونفي عموم القدرة ـ ؛ هذا.
وقد اجاب بعض الأفاضل عن شبهة الثنوية بوجه آخر ؛ وهو : انّ الأمر الّذي يستندون إليه الشرّ لا يخلوا من أن يكون واجبا أو ممكنا ، فان كان واجبا بالذات فهو باطل ، لأنّ البرهان قائم على أنّ تعدّد الواجب بالذات ممتنع بالذات ؛ وإن كان ممكنا بالذات فلا يجوز أن يكون مفيضا لوجود ممكن آخر ، لانّه قد ثبت بالبرهان انّ مفيض الوجود لا يكون إلاّ الواجب بالذات.
فإن قيل : بناء على ما ذكرتم يلزم أن يكون وجود الشرّ من الله ـ تعالى ـ ، فيلزم أن يكون تعذيب العباد قبيحا! ؛
قلت : تعذيب العباد باعتبار انّ ارادتهم تكون جزء أخير من العلّة التامّة ، فمفيض الوجود هو الله ـ تعالى ـ وإرادة العبد شرط لافاضة وجود الشرّ.
هذا على تقدير كون الشرّ أمرا وجوديا.
أمّا على تقدير كون الشرّ عدما ـ كما نقل من الحكماء من أنّ الشرّ انّما هو العدم و
__________________
(١) الاصل : ايجاد.