الإرادة ـ كما هو رأي الاشاعرة ـ ، أو المصلحة ـ كما هو رأي بعض المعتزلة ـ أو العلم بالأصلح ـ كما هو رأي بعض آخر منهم ـ. فتخلّف العالم عن الواجب قبل آن الحدوث لعدم الإرادة أو المصلحة أو العلم بالاصلح ، فلا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة التامة.
فلأجل عدم الأمور المذكورة قبل آن الحدوث ووجودها حين تحقّقه يحصل الربط والتأثير والتأثر بين القديم والحادث ؛ ولما أورد على المتكلّمين بالمصلحة أو العلم بالاصلح بأنّ ترجيح وقت خاصّ باعتبار الإرادة أو المصلحة أو العلم بالأصلح ممّا لا يعقل إلاّ إذا كان لذلك الوقت مدخلية في المصلحة والأصلحية باعتبار كونه مصلحة أو أصلح فيتوقّف حدوث الحادث على حضوره ، وننقل الكلام إليه وفي توقّفه على حضور وقت سابق عليه وهكذا ، فيلزم التسلسل!.
قال بعض القائلين بالزمان الموهوم : هذا الايراد شبهة قوية لقدم العالم لا ينحلّ إلاّ بالقول بالزمان الموهوم والتزام التسلسل على التعاقب إمّا مطلقا أو فيه ، لعدم وجوده.
ولا يخفى انّ هذه الطريقة لابتنائها على ما هو باطل ـ أعني : الزمان الموهوم ـ باطلة. وقد تقدّم انّ الزمان الموهوم أمر نفس أمري وله اختلاف اجزاء متباينة متعاقبة ، فيكون التسلسل في أمور نفس أمرية لا في أمور اعتبارية ، واستحالته ـ وإن كان على التعاقب ـ امر مشهور محقّق ـ كما بيّناه ـ. فهذه الطريقة أيضا كسابقتها فاسدة.
وأمّا طريقة القائلين بالحدوث الدهري ، فهو انّ العالم لعدم قبوله الوجود الازلي لم يمكن أن يوجد قبل آن الحدوث ، بل لم يوجد وقت قبله ـ كما قال الحكيم الطوسي : « واختصّ الحدوث بوقت إذ لا وقت قبله » ـ. وحينئذ لا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة لقصور المعلول عن استفادة الوجود وعدم تحقّق وقت له قبل ذلك ، فلتعيّن وجود العالم في وقت الحدوث وعدم امكان قبوله الوجود قبله يحصل الربط بين الواجب والحادث الّذي هو العالم ، وهذه الطريقة هي الّتي اخترناها ولا يرد عليه شيء.