إلى ما تقرّر عند الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر عنه الاّ الواحد ـ لم يمكن أن يكون واسطة وشرطا في الربط والايجاد ، بل يلزم حينئذ أن يكون موجدا بالاستقلال ، وقد تقرّر عند الحكماء أنّ الممكن لا يمكن أن يوجد ممكنا مثله وإن جاز أن يكون واسطة في الايجاد ، وإلاّ لزم أن يكون ما فيه معنى ما بالقوّة مفيدا للوجود. لأنّ كلّ ممكن بما هو ممكن ومن حيث ذاته لا يكون إلاّ بالقوّة ، فيكون لما هو بالقوّة شركة في اخراج الشيء من القوّة إلى الفعل ، وللعدم مدخل في افادة الوجود ، وبديهة العقل يمنعه!. ولذا وجب أن يكون موجد الجواهر والاعراض المفارقة لذات الموجد خارجا عنها ، فموجد الكلّ ليس إلاّ / ٥٣MA / الواجب ـ تعالى شأنه ـ.
قال بهمنيار في التحصيل : وإن سألت الحقّ فلا يصحّ أن تكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ وجه من معنى ما بالقوّة. وهذا صفة الأوّل ـ تعالى شأنه ـ لا غير ، اذ لو كان مفيد الوجود ما فيه معنى ما بالقوة ـ سواء كان عقلا أو جسما ـ كان للعدم شركة في افادة الوجود وكان لما بالقوّة شركة في اخراج الشيء من القوّة إلى الفعل ؛ (١) انتهى.
على انّ استناد وجود الحادث ـ أعني : العالم الجسماني ـ إلى المجرّد القديم مع استقلاله في العلّية يوجب تخلّف المعلول عن العلّة ، فلا بدّ من واسطة أخرى ليحصل بها الربط بينهما.
وبذلك يظهر أنّ البرهان العقلي قائم على بطلان قدم المجرّدات أيضا ، لأنّها إذا وجدت قديمة فلا يخلوا إمّا أن تكون عللا مستقلّة لايجاد العالم الجسماني أو شرائط ووسائط له أو معطّلة خالية عن المدخلية في التأثير والافاضة ، والأوّل يوجب تخلّف المعلول عن العلّة وتأثير الممكن في الممكن ، وهما باطلان. فان ادّعى حينئذ لدفع المحذور الأوّل قدم العالم الجسماني ، ففيه : انّه مدفوع بالدلالة القطعية على حدوثه ، مع انّه يبقى المحذور الثاني على حاله. وإن ادّعى عدم المصلحة أو العلم بالمصلحة في وجوده قبل وقت الحدوث أو عدم قبوله للوجود الأزلي ففيه انّ هذه الوجوه جارية بعينها إذا
__________________
(١) راجع : التحصيل ، الفصل الأوّل من المقالة الخامسة من الكتاب الثاني ، ص ٥٢١.