شيء من الأشياء حدّ ومرتبة ليس في حد (١) ذاته وحقيقته أن يتجاوزه ، فالموجودات الغير الزمانية من العقول والزمان حدّ مراتبها أن يكون موجودة لا في زمان ومبدعة في غير امتداد على ما وجد ـ أي : كونها موجودة في الخارج ـ من دون أن يكون في طرف ممتدّ ، كما أنّ الواجب يقتضي في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته أن يكون ازليا. والوقت مرتبته وحدّ ذاته أن يوجد كما وجد ولم يكن في منّته التجاوز عنه ، ولا يعلّل حضوره فيما حضر بشيء سوى حدّ ذاته ومرتبته في الواقع. والموجودات الزمانيّة مراتبها وحدود ذواتها وحواقّ حقائقها أن يوجد كلّ منها في الوقت الّذي وجد. وكما أنّ للزمان والوقت مدخلية ومناسبة لبعض الموجودات فكذا للدهر والسرمد ـ أي : مجرّد الواقع ومحض نفس الأمر ـ من دون امتداد وتصرّم فيه مدخلية ومناسبة لبعض آخر منها ، فان كلاّ منها حدود ومراتب للموجودات الواقعة فيه ؛ ولا فرق إلاّ في أنّ الزمان وعاء ممتدّ متصرّم وطرف للمتغيرات ، ولذا تعقّلها سهل لمن ألف بالزمان. والسرمد والدهر وعاءان للثابتات ، ولا تغيّر ولا تصرّم فيها ، ولذا تعقّلها متعسّر على المتغيرات ومن الف بالزمان. فظهر انّه / ٧٤DA / لا مانع من الزام انّ للوقت مدخلية في الأصلحية. وإلاّ يلزم التسلسل ، لأنّ حدوث الوقت وحضوره في الوقت حضروا علة اختصاصة به انّما هو لمدخلية الواقع / ٧٧MB / الّذي حدث فيه لحدوثه فيه ، واقتضاء ذات الوقت أيضا أن يقع فيه وكون ذلك أصلح وأحسن. وبالجملة علّة اختصاص وجود كلّ شيء في ظرفه ووعائه انّما هو لأجل هذا الظرف ومناسبة كلّ من الظرف والمظروف للآخر ومدخلية كلّ منهما لاصلحية وقوع هذا المظروف في هذا الظرف ، فكلّ وقت وزمان مناسب لأن يقع فيه ما يقع فيه من الموجودات الزمانية ، والدهر مناسب لوقوع ما يقع فيه من العقول والعالم الجسمانى والزمان. فكما أنّ الزمان والوقت من مراتب وجود الزمانيات وحدود ذواتها ووقوعها فيه من مقتضى ذاتهما فكذلك الدهر من مراتب وجود المبدعات من العقول ونفس الزمان وحدودها ، فوقوعها فيه من مقتضى ذات كلّ من الحدّ والمحدود ولازم حقيقة
__________________
(١) الاصل : ـ حدّ.