من الفعل في ثاني الحال والترك واجب حال العدم كذلك يمكن اختيار الشقّ الأوّل باعتبار أنّ الفعل واجب حال الوجوب ، والتمكّن من الترك يكون مقدّما على حال الوجود أو بعد ذلك بأن يترك الفعل ، فلا ينافي الوجود في الحال.
وتحقيق المقام انّ القدرة الّتي هي المتنازع فيها ـ وقال بها المحقّقون من المعتزلة وغيرهم ـ هي التمكّن من الفعل وتركه المقابل له ، والعدم في الحال ليس مقابلا للوجود في المستقبل فلا تتحقّق القدرة بالمعنى المقصود. ولم يذهب أحد إلى أنّ القدرة لا يكون تعلّقها بالطرفين على السواء ، إلاّ الأشاعرة القائلون بأنّ تعلّق القدرة انّما هو بطرف واحد ، وهو الطرف الواقع. وما يدلّ على بطلان ما ذهبوا إليه وعلى أنّ القدرة المتنازع فيها هي المتعلّقة بالطرفين سواء إنّ القادر عند القوم هو الّذي يصحّ منه الفعل والترك ، فيتساوى نسبته إليهما ، وإنّ المتكلّمين انّما نفوا الايجاب لزعمهم أنّ صدور الفعل عن الفاعل بحيث لا يتمكّن من امساك نفسه عنه نقص في حقّه ـ تعالى ـ ، فيجب تنزيهه ـ تعالى ـ عنه. فالقدرة الّتي تلائم غرضهم هي الحالة الّتي بها يتمكّن الفاعل من الترك حين الفعل ومن الفعل حين الترك بالنظر إلى الذات ، وإن وجب احد الطرفين بالنظر إلى الإرادة. وأمّا القدرة بمعنى وجوب العدم في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر فلا تلائم مطلوبهم ؛ والفاعل بهذه القدرة لا يتمكّن من امساك نفسه عن الترك في حال العدم ومن الفعل في حال الوجود ، فيكون مضطرّا في كلّ واحد من الحالين. وهذه المفسدة أشدّ من مفسدة الايجاب المنفي ، إذ هي عدم تمكّن الفاعل عن امساك نفسه عن أحد طرفي المقدور ، وهذه عن كلا طرفيه!.
ثمّ ذهاب الأشاعرة إلى أنّ القدرة متعلّقة بطرف واحد مبنيّ على ما استقرّ رأيهم عليه من أنّ القدرة مع الفعل لا قبله ـ كما ذهب إليه المعتزلة على ما سيأتي ـ ، فلا يتعلّق بالضدين وإلاّ لزم اجتماعهما ، لوجوب مقارنتهما لتلك القدرة المتعلّقة. وسيأتي تحقيق القول في كون القدرة مع الفعل أو قبله ، ونشير إلى أنّ الحقّ كون ذلك النزاع ـ أي : كون القدرة قبل الفعل أو معه ـ بين / ٨٢MB / المعتزلة والأشاعرة راجعا إلى النزاع في أفعال العباد. فالحقّ انّ هذا النزاع بينهما ـ أي : كون القدرة متعلّقة بالطرفين على السواء