لا يجب عليه الفعل دائما ـ بل قالوا بوجوبه في وقت خاصّ ـ فهم قائلون بالحدوث وبالايجاب الخاصّ ، وهو ايجاب وجود الحادث بالنظر إلى علم الفاعل بنظام الخير ومصالح الغير.
وعلى ما ذكر يتحقّق نزاعان : أحدهما بين الاشعرية وبين ساير المتكلمين والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ فعل أم لا ؛ فباقي المتكلّمين والحكماء على الأوّل والأشعرية على الثاني ؛ والثاني بين المعتزلة والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ الفعل دائما أو في وقت ما ؛ والأوّل مذهب الحكماء والثاني مذهب المعتزلة.
وعلى هذا فصحّة الفعل والترك عند الحكماء مجرّد الامكان الذاتي لا غير مطلقا ، وعند الأشاعرة الامكان الوقوعي مطلقا ، وعند المعتزلة مجرّد الامكان الذاتي في آن الحدوث وما يعمّ الوقوعي في الأزل.
ولقائل أن يقول : الإرادة عند المعتزلة عين الذات وهي قد تعلّقت في الأزل بايجاد العالم في الوقت / ٣٣MB / الّذي احدثه الله ـ تعالى ـ فيه ، وهذا كما يستلزم ايجابا خاصّا هو وجوب صدور الفعل في آن الحدوث وعدم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم في ذلك الوقت يستلزم ايجابا خاصّا آخر وهو وجوب عدم صدور العالم عنه ـ تعالى ـ قبل ذلك ولزوم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم فى الأزل ، فيلزم على طريقة المعتزلة أن يكون معنى صحّة الفعل والترك في الأزل أيضا مجرّد الامكان الذاتي دون الوقوعي ـ لوجوب عدم صدور الفعل ولزوم الانفكاك بينه وبين الفعل في الأزل ـ ، فهم قائلون بوجوب عدم الفعل في وقت وبوجوب الفعل في آخر ؛ والحكماء قائلون بوجوب الفعل دائما ؛ والاشعرية قائلون بعدم وجوب الفعل والترك في أيّ وقت فرض ، وعلى هذا فلا يمكن أن يتحقّق عندهم الامكان الوقوعي الّذي هو بمعنى وقوع كلّ من الفعل والترك بدلا عن الآخر في وقت. نعم! لمّا وقع كلّ منهما في وقت ـ لأنّ الترك وقع في الأزل والفعل في آن الحدوث ـ فيمكن أن يقال بتحقّق الامكان الوقوعي لهما عندهم ، / ٣٣BD / فانّ الامكان الوقوعي للشيء يتصوّر على وجهين :