ثمّ قال : وأجاب الشيخ في التهذيب عن الرواية الأولى بأنّ قوله ـ عليهالسلام ـ : «ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء» يجوز أن يكون أراد به دينارا واحدا ، لأنّ قوله : «شيء» يحتمل الدينار ولما يزيد عليه ولما ينقص عنه ، وهو يجري مجرى المجمل الذي يحتاج إلى التفصيل.
قال : وإذا كنّا قد روينا الأحاديث المفصّلة في أنّ في كل عشرين دينارا نصف دينار ، وفيما يزيد عليه في كلّ أربعة دنانير عشر دينار ، حملنا قوله ـ عليهالسلام ـ : «وليس فيما دون الأربعين دينارا شيء» أنّه أراد به دينارا واحدا ، لأنّه متى نقص عن الأربعين إنّما يجب فيه دون الدينار.
فأمّا قوله في أوّل الخبر : «في كلّ أربعين مثقالا مثقال» ليس فيه تناقض لما قلناه ، لأنّ عندنا أنّه يجب فيه دينار وإن كان هذا ليس بأوّل نصاب ، وإذا حملنا هذا الخبر على ما قلناه ، كنّا قد جمعنا بين هذه الأخبار على وجه لا تنافي بينها. هذا كلامه ـ رحمهالله تعالى.
ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، ويمكن حمل هذه الرواية على التقيّة ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامّة ، وإن كان أكثرهم على الأوّل (١). انتهى ما في المدارك.
أقول : لولا مخالفة الإجماع وإعراض المشهور عن هذه الرواية ، لكان الجمع بينها وبين غيرها من الروايات المزبورة بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلفات ، وإن كان هذا أيضا لا يخلو من إشكال ، فإنّ ، الأخبار بظاهرها متعارضة ، والمقام مقام الترجيح لا الجمع ، ومن الواضح قصور هذه الرواية عن معارضة الروايات المشهورة بين الأصحاب فتوى ورواية من جميع الوجوه ،
__________________
(١) مدارك الأحكام ٥ : ١١١ ـ ١١٢ ، وانظر : التهذيب ٤ : ١١ ، ذيل الحديث ٢٩.