وفيه : أنّ المأمور به إنّما هو إيصال شيء من ماله إلى الفقراء والمساكين ولم يحصل ، وتعذّر الاطّلاع على الباطن أوجب صحّة التعويل على هذا الظاهر ورضا الشارع به ، أي الرخصة في ترتيب أثر الواقع على هذا الظاهر ما لم ينكشف الخلاف ، كما هو الشأن في سائر الأمارات المنصوبة شرعا لتشخيص الموضوعات الخارجية ، كالبينة وإخبار صاحب اليد ، ونحوهما ، ولدي انكشاف مخالفتها للواقع يؤثّر الواقع أثره ، كما في المثال المتقدّم.
والفرق بين دفع الإمام والمالك حيث التزمنا في الأوّل بعدم الضمان دون الثاني ما تقدّمت الإشارة إليه : من أنّ حقّ الفقراء بصرفه إلى الإمام عليهالسلام ، أو نائبه ، يتشخّص في ما صرف إليه لولايته عليهم ، فلو غصبه ثالث ، ينتقل ما يستحقّه الفقير بعينه عند ذلك الثالث ، فلو صدر من النائب تعدّ أو تفريط بحيث صارت يده عادية ، كما لو دفعه عمدا إلى غير المستحقّ ، وجب عليه ـ ما دام بقاء العين ـ أن يدفع عنها بدل الحيلولة ، وهذا بخلاف ما إذا كان الدافع هو المالك ، فإنّ ما دفعه إلى الغني باسم الزكاة لم يخرج عن ملكه ، بل هو باق على ما كان عليه ، وقد كانت يده عليه يد مالكيّة ، فإن تمكّن من ارتجاعه ، لم يجب عليه ذلك ، بل يجوز له إخراج الفريضة من الباقي أصالة لا بدلا عمّا دفعه إلى الغني.
نعم ، لو قيل : إنه متى عيّن المالك زكاة ماله في عين بقصد صرفها إلى مستحقّه أو مطلقا ، تتعيّن زكاته في ما عينه ، فتبقى العين في يده أمانة حتّى يوصلها إلى مستحقّها ، اتّجه القول بنفي ضمان المالك أيضا ، كما هو مختار المصنّف وغيره ، لعين ما مرّ.
ولكنّ المبنى ضعيف ، لانتفاء ما يدلّ عليه ، كما سيأتي لذلك مزيد