وقضيّة تعليل الرخصة في إعطاء المؤمن ثلاثة آلاف أو عشرة آلاف بأنّه ينفقها في طاعة الله ، والمنع عن إعطاء الفاجر هذا المقدار بأنّه ينفقها في معصية الله : أن ينعكس الأمر في ما لو علم من باب الاتّفاق بأنّ هذا الفاسق لو دفع إليه عشرة آلاف ، يصرفها في حوائجه الضرورية وسائر وجوه الطاعات من إعانة الفقراء والمساكين ومواصلة أرحامه والحجّ والزيارات ، إذ ربّ فاجر من أعوان الظلمة وغيرهم له شدّة اهتمام بمثل هذه الخيرات ، بل قد يكون تقحّمه في الفسق والفجور مسبّبا عن فقره بحيث لو تكفّل واحد بمعاشه ، لكان من أشد الناس مواظبة على الطاعات ، وأنّ هذا المؤمن الثقة العدل لو صرف إليه هذا المبلغ الخطير ، يصرفه إلى السلطان الجائر مثلا لتحصيل جاه أو وظيفة أو رئاسة ، كمنصب الإمامة أو القضاء أو نحوهما ، إذ لا يشترط في العدالة ملكة العصمة ، فكثيرا ما يصدر عنه (١) مثل هذه الأمور.
وملخّص الكلام : أنّه يستفاد من هذه الرواية بمقتضى التعليل الوارد فيها : أنّه لا يجوز دفع الزكاة إلى من يصرفها في المعصية مطلقا ، سواء كان المدفوع إليه فاجرا أم عادلا ، وهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ولو مع قطع النظر عن هذه الرواية ، لأولويّته بعدم الجواز من الغارم في معصية الله والعاصي بسفره جزما ، مع ما فيه من الإعانة على الإثم ، فإطلاق الرخصة في الرواية في إعطاء العشرة آلاف للمؤمن ، والمنع عن إعطاء الفاسق زائدا عن مقدار الضرورة جار مجرى العادة من الوثوق بالنظر إلى حال الفاسق وشأنه بأنّه يصرفه في المعصية ، بخلاف العادل.
واستدلّ (٢) للقول باعتبار مجانبة الكبائر بخبر داود الصرمي ، المروي
__________________
(١) كلمة «عنه» لم ترد في النسخة الخطية ، واستظهرت في هامش الطبع الحجري.
(٢) استدلّ للقول المزبور : العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٢٤٤.