(فَأَطاعُوهُ) لذلك وهو يعلم خلاف ذلك من نفسه ، ولا أعلم أن أحدا يجوع ويمرض ويغوط وأمثال هذا يدعي الألوهية إلا فرعون لما استخف قومه ، لذلك قال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي في اعتقادكم ، فأطاعوه ظاهرا بالقهر الظاهر ، لأنه في محل يخاف ويرجى ، وباطنا بما نظروا فيه مما قاله لهم (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة ، من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل ، وما شرّك الله تعالى فرعون مع قومه في ضمير إنهم.
(فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٥)
(فَلَمَّا آسَفُونا) أي أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فإن لله سبحانه نفوذ الاقتدار ، فانتقم منهم ليجعلهم عبرة للآخرين ، وذلك لما أخذ فرعون قلوبهم بالكلية إليه ، ولم يبق لله فيهم نصيب يعصمهم ، أغضبوا الله ، فغضب فانتقم ، فكان حكمهم في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه ، فإنه علم صدق موسى عليهالسلام ، وعلم حكم الله في ظاهره بما صدر منه ، وحكم الله في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه ، وكان انتقام الله بقوله (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) فسوى الله في الغرق بينهم ، بين فرعون وقومه ، وتفرقا في الحكم.
(فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ) (٥٦)
يعني للأمم الذين يأتون بعدهم ، وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى الله بالنجاة.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً