لا في مؤمنهم ولا في كافرهم من يجهل الحق ولا من يشرك ، ولهذا ألحقوا بالكفار ، ولم يلحقهم الله بالمشركين ، وإن كانوا هم الذين يجعلون الإنس أن يشركوا ، فإذا أشركوا تبرؤوا ممن أشرك كما قال تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) وهو وحي الشيطان إلى وليه ليجادل بالباطل أهل الحق ، فإذا كفر (قالَ) يقول له : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) فوصف الشيطان بالخوف من الله ، ولكن على ذلك الإنسان لا على نفسه ، فخوف الشيطان على الذي قبل إغواءه لا على نفسه ، وسبب ارتفاع الخوف من الشيطان على نفسه علمه بأنه من أهل التوحيد ، فهو يعلم أن الله واحد ، ويعلم مآل الموحدين إلى أين يصير ، فاعتمد إبليس على هذا في حق نفسه ، وطمع في الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء ، وطمعه فيها من عين المنة لإطلاقها ، لأنه علم في نفسه أنه موحد ولهذا قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) فأقسم به تعالى لعلمه به ، فما طغى أحد من الخلائق ما طغى الإنسان وعلا في وجوده ، فادعى الربوبية ، فإن أكبر العصاة إبليس هو الذي يقول : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) عندما يكفر الإنسان إذا وسوس في صدره الكفر ، وما ادعى قط الربوبية وإنما تكبر على آدم لا على الله ، فلو لا كمال الصورة في الإنسان ما ادعى الربوبية ، فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له هذه المنزلة من العلو ولم تؤثر فيه ، ولا أخرجته من عبوديته ، فتلك العصمة ، ولا يكن الشيطان مع كفره أدرك للأمور وأخوف من الله منك ، واعتبر في تبريه من ذلك ، وما أخذ الشيطان قط بعلمه لشرف علمه ، وإنما يؤخذ لصدق الحق فيما قال فيما شرعه فيمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، فالشيطان يوم القيامة يحمل أثقال غيره ، فإنه في كل إغواء يتوب عقيبه ، ثم يشرع في إغواء آخر فيؤاخذ بعمل غيره ، لأنه من وسوسته ، والإنسان الذي لا يتوب إذا سن سنة سيئة يحمل أثقالها وأثقال من عمل بها ، فيكون الشيطان أسعد حالا منه بكثير ، وقد قال تعالى :
(فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ) (١٧)
المقلد إن مشى متبوعه مشى وإن وقف وقف ، فهو معه حيثما كان إما في النجاة وإما في التلف (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) فأسكنه تقليده دار البوار (فَكانَ