عاقِبَتَهُما) أي جاءهما عقيب هذا الواقع (أَنَّهُما فِي النَّارِ) فأعقب الشيطان برجوعه إلى أصله ، فإنه مخلوق من النار فرجع إلى موطنه ، وكان للإنسان عقوبة على كفره ، حيث ظلم بقبول ما جاء به الشيطان ، ولم يقبل ما جاء به الرسول ، ثم قال : (خالِدَيْنِ فِيها) لأنها موطنهما ، الواحد خلق منها وهو الشيطان ، والآخر خلق لها وإن كان فيه منها ، فسكناها بحكم الأهلية ، وعذّبا فيها بحكم الجريمة ما شاء الله ، فخلد الشيطان في منزله وداره ، وخلد الإنسان جزاء لكفره ، ولهذا تبرأ منه للافتراق الذي بينهما في العاقبة ، وقوله : (وَذلِكَ) أشار ببنية الواحد ولم يثن الإشارة إلى العقاب فإنهما ما اشتركا فيه ، لأن الذي أتى للإنسان عقيب ذنبه إنما هو العذاب ، والذي كان سهم الشيطان الذي أتاه عقيب فعله وقوله رجوعه إلى أصله الذي منه خلق ، فلا يغتر العاقل (جَزاءُ الظَّالِمِينَ) لأن الكفر هنا هو الشرك وهو الظلم العظيم ، فكان قوله تعالى : (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) يريد المشركين ، فإنهم الذين لبسوا إيمانهم بظلم ، فإن قيل : كيف يخلد إبليس في النار وهو لم يكفر؟ قيل : إن إبليس لا ينفعه تبريه من المشرك ومن الشرك ، فإنه هو الذي قال له : اكفر ؛ فحار عليه وزر كل مشرك في العالم وإن كان موحدا ، فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، وما سن إبليس الشرك ووسوس به حتى تصوره في نفسه على الصورة التي حصلت في نفس المشرك ، فزالت عنه صورة التوحيد ، فكان إبليس مشركا في نفسه بلا شك ولا ريب ، ولابد أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس ، فإنه خائف منهم أن تزول عنهم صفة الشرك فيوحدوا الله فيسعدوا ، فلا يزال إبليس يحفظ صورة الشرك في نفسه ، ويراقب بها قلوب المشركين الكائنين شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ، ويرد بها الموحدين في المستقبل إلى الشرك ممن ليس بمشرك ، فلا ينفك إبليس دائما على الشرك ، فبذلك أشقاه الله ، لأنه لا يقدر أن يتصور التوحيد نفسا واحدا لملازمته هذه الصفة ، وحرصه على بقائها في نفس المشرك ، فإنها لو ذهبت من نفسه لم يجد المشرك من يحدثه في نفسه بالشرك فيذهب الشرك عنه ، فدل أن الشريك يستصحب إبليس دائما ، فهو أول مشرك بالله ، وأول من سن الشرك ، وهو أشقى العالمين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ