وعضل وعظم ، استوى السر الإلهي الساري فيه ، فنفخ النفخ الروحي إلى العالم العلوي من البدن ، وهو بخارات تصعد كالدخان ، فتق فيها سبع سموات : السماء الدنيا وهي الحس ، وزينها بالنجوم والمصابيح مثل العينين ، وسماء الخيال ، وسماء الفكر ، وسماء العقل ، وسماء الذكر ، وسماء الحفظ ، وسماء الوهم ، وأوحى في كل سماء أمرها ، وهو ما أودع في الحس من إدراك المحسوسات ـ ولا نتعرض للكيفية في ذلك للخلاف الواقع فيها ، وإن كنا نعلم ذلك فإن علمنا لا يرفع الخلاف من العالم ـ وفي الخيال من متخيلات المستحيلات ، وفي العقل من المعقولات ، وهكذا في كل سماء ما يشاكلها من جنسها ، فإن أهل كل سماء مخلوقون منها ، فهم بحسب مزاج أماكنهم ، وخلق في كل سماء من هذه السبعة كوكبا سابحا في مقابلة الكواكب السيارة ، تسمى صفات ، وهي الحياة والسمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم ، كل يجري إلى أجل مسمى ، فلا تدرك قوة إلا ما خلقت له خاصة ، فالبصر لا يرى سوى المحسوسات المبصرات ، وينحسر فينقلب خاسئا ، فإنه لا يجد قطرا ينفذ فيه ، والعقل يثبت هذا كله ، يشهد بذلك الحركات الفلكية التي في الإنسان ، وذلك بتقدير العزيز العليم.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) (١٣)
جاء الجبار من رؤساء الجاهلية إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له : يا محمد اتل علي مما جئت به حتى أسمع ؛ فتلا عليه حم السجدة ، فلما وصل إلى قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وهما من العرب وحديثهما مشهور عندهم بالحجاز ، فلما سمع هذه الآية ارتعدت فرائصه واصفر لونه وضرط من شدة ما سمع ومعرفته بذلك ، وقال : هذا كلام جبار.
(إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ