هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (١٧)
إن الله ما جعل في العالم هدى لا يصح أن يعود عمى ، فإنه أبان لمن أوصله إليه ، فما اتصف بالعمى إلا من لم يصل إليه الهدى من ربه ، ومن قيل له : هذا هدى ؛ لا يقال إنه وصل إليه حتى يكون هو الذي أنزل عليه الهدى وحصل له العلم بذلك ، فإن هذا لا يكون عنده عمى أبدا ، فما استحب العمى على الهدى إلا من هو مقلد لأبناء جنسه ، فالعمى يوافق طبعه والهدى يخالف طبعه ، فلذلك يؤثره عليه.
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٠)
(شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ) وهما من النشأة الباطنة (وَجُلُودُهُمْ) من النشأة الظاهرة ، فما من شخص يروم مخالفة حق إلا ونشأتاه تقولان له : لا تفعل أيها الملك ، ولا تحوجنا أن نكون سببا في هلاكك ، فإن الله إن استشهدنا شهدنا ، ونحن رعيتك ولا حركة لنا إلا بك ، فلا تحركنا إلا في أمر يكون لك لا عليك ، فإن الأعضاء كالآلة للنفس الناطقة المخاطبة المكلّفة بتدبير هذا البدن ، وأنت المسؤول عن إقامة العدل فيهم ، فأنت تعلم من خطاب الشارع جميع ما يتعلق بكل عضو مكلف : وهي العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب.