وظهر كل واحد منهم بنور صورة ما شاهده ، فمن علمه في كل معتقد فله نور كل معتقد ، ومن علمه في اعتقاد خاص معيّن لم يكن له سوى نور ذلك المعتقد المعيّن ، ومن اعتقد وجودا لا حكم له فيه بتنزيه ولا تشبيه بل كان اعتقاده أنه على ما هو عليه ، فلم ينزه ولم يشبه ، وآمن بما جاء من عنده تعالى على علمه فيه سبحانه ، فله نور الاختصاص لا يعلم إلا في ذلك الوقت ، فإنه في علم الله فلا يدرى ، هل هو أعلى ممن عمم الاعتقادات كلها علمه ، أو مساو له؟ وأما دونه فلا ، فإذا أراد الله رجوعهم إلى مشاهدة نعيمهم بتلك الرؤية في جناتهم ، قال لملائكته وزعة الكثيب : ردوهم إلى قصورهم ؛ فيرجعون بصورة ما رأوا ، ويجدون منازلهم وأهليهم منصبغين بتلك الصورة فيتلذذون بها ، فإنهم في وقت المشاهدة كانوا في حال فناء عنهم ، فلم تقع لهم لذة في زمان رؤيتهم ، بل اللذة عند أول التجلي ، حكم سلطانها عليهم فأفنتهم عنها وعن أنفسهم ، فهم في اللذة في حال فناء لعظيم سلطانها ؛ وإذا أبصروا تلك الصورة في منازلهم وأهليهم استمرت لهم اللذة ، وتنعموا بتلك المشاهدة ، فتنعموا في هذا الموطن بعين ما أفناهم في الكثيب ، ويزيدون في ذلك التجلي وفي تلك الرؤية علما بالله ـ أعطاهم إياه العيان ـ لم يكن عندهم ، فإن المعلوم إذا شوهد تعطي مشاهدته أمرا لا يمكن أن يحصل من غير مشاهدة ، ثم إنه إذا أراد الله أن يتجلى لعباده في الزور العام نادى منادي الحق في الجنات كلها : يا أهل الجنان حي على المنة العظمى ، والمكانة الزلفى ، والمنظر الأعلى ، هلموا إلى زيادة ربكم في جنة عدن ؛ فيبادرون إلى جنة عدن ، فيدخلونها وكل طائفة قد عرفت مرتبتها ومنزلتها فيجلسون ، ثم يؤمر بالموائد فتنصب بين أيديهم ، موائد الاختصاص ما رأوا مثلها ، ولا تخيلوه في حياتهم ولا في جناتهم جنات الأعمال ، وكذلك الطعام ما ذاقوا مثله في منازلهم ، وكذلك ما تناولوه من الشراب ، فإذا فرغوا من ذلك خلعت عليهم من الخلع ما لم يلبسوا مثلها فيما تقدم ، ومصداق ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم في الجنة [فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر] فإذا فرغوا من ذلك قاموا إلى كثيب من المسك الأبيض ، فأخذوا منازلهم فيه على قدر علمهم بالله لا على قدر عملهم ، فإن العمل مخصوص بنعيم الجنان لا بمشاهدة الرحمن ، فبيناهم على ذلك إذا بنور قد بهرهم فيخرون سجدا ، فيسري ذلك النور في أبصارهم ظاهرا ، وفي بصائرهم باطنا ، وفي أجزاء أبدانهم كلها ، فهذا يعطيهم ذلك النور ، فبه يطيقون المشاهدة والرؤية ، وهي أتم من